وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
لعنة أصابت القرية فأحرقت منازلها و حقولها و كل ما فيها و من تبقى من ساكنيها مسخت ذاكرتهم ثم حصدت أرواحهم واحدا تلو الأخر.
هل ثمة أمل في النجاة و هل من حكمة فيما حدث؟
هل يجب أن يكون للكاتب غرضا ما من كتابة الرواية ؟ و هل يجب أن يكون للرواية أكثر من مستوٍ للفهم و تفسير النص أم يمكن لها أن تأتي مباشرة جدا بغرض التسلية أو تفريغ خبرات ما أو لمجرد قص حدثا مهما مر بخيال الكاتب و بدا له ألا يستأثر به دونا عن باقي الناس؟
أرى أنني سألت أكثر من اللازم و جاء وقت الحديث عن الرواية التي بين أيدينا.
كاتبة شابة لم أقرأ لها من قبل رغم غزارة أعمالها المذكورة على الموقع. تقول في أحد مراجعاتها القليلة على جودريدز:
أنا لو سُئلت عن ذائقتي الأدبية سأقول أن عيني تحب قراءة الفانتازيا وقلمي يعشق كتابتها؛ بشرط أن تكون فانتازيا تؤطر صورة الخيال بإطار من الواقع وتحترم من الدرجة الأولى عقل قارئها... ولقد وجدت كل هذا في هذا الكتاب الملحمي الرائع.
و هذا هو بالضبط ما لمسته في هذه الرواية.
تعود أبنائي أن تقرأ لهم أمهم قبل النوم و لما كانت مشغولة و كنت أنا منهمك في قراءة هذه الرواية فقد قلت و لما لا أكمل القراءة بصوت عال بعد تلخيص ما مر من أحداث:
حسنا يا أولاد: تاج ولد يمتلك قدرات غريبة فهو يستطيع سماع أصوات الجيران إذا أغمض عينيه و يستطيع تحريك أشياء بعينه أو الرؤية عبر الجدران أحيانا و كذلك يستطيع أن يشم رائحة الكذب عند سماع الكلمات أو قراءتها و معرفة ما يدور برأسك بمجرد لمسك و إذا أكل طعاما حرام يجد طعمه مرا كالعلقم.
هو شخص سوبر في حواسه إذا و أنا ما زلت في منتصف الرواية و علينا أن نقرأ سويا باقي الأحداث.
استمتع الصغار بما قلت و قرأت عليهم عدة صفحات حتى ناموا و أكملت أنا الرواية.
بعد ما قاربت الرواية على الانتصاف كان الخط الدرامي لها عادي جدا و أحسست أن الملل سيتسرب إلى نفسي. فماذا في قصة طفل ماتت أمه و تزوج أباه و يعيش الإجازات مع عمته و يدرس في مدارس داخلية حتى و ان تميز بقدرات خارقة. إلا أن العقدة ظهرت و بدأت الرواية الحقيقة مع قصة القرية التي احترقت عن آخرها ثم تتابعت مأساتها بعد ذلك كما أوضحت في بداية المراجعة.
لو بدأت الرواية بأحداث القرية أو على طريقة فلاش بك كأن تبدأ باكتشاف تاج للحقيقة ثم استعادته لما حدث أو حتى بالتوازي بين قصة القرية و حياة تاج العادية فربما كانت ستكون أفضل كثيرا من ذلك و لكن هكذا أرادت الكاتبة و هكذا رأت و جائز أن يرى غيري العكس.
إذا قرأتها كرواية مسلية و مختلفة و محبوكة دراميا فستعجبك كثيرا و ستستمتع بها و أعدك أنك ستنهيها بسرعة أيضا. و إن كنت تبحث عن المعنى بين السطور فربما تتوه قليلا لأن الإشارات المقطوعة كثيرة و الأحداث الثانوية لم استطع ربطها كلها ببعضها فإما أن الكاتبة لم تقصد شيئا مبطنا بكل حدث أو أنها عبقرية لدرجة لا نستطيع أن نحيط بكل ما قصدته علما و أنا لا أرجح أي من الاحتمالين على الأخر.
أما كيف رأيت الرواية و أنا دائما أحب أن أحمل الأمور أكثر مما تحتمل و أبحث عن المعنى بين السطور أكثر مما أبحث عنه في الحروف و الكلمات فقد وجدت الرواية في عبارتين:
الأولى:
دولة بلا ذاكرة
و الثانية:
ابحث عني تجد نفسك
انذار للدولة كلها بمحو ذاكرتها ان سلكت دروب الهلاك و اهملت العلم و استسهلت الربح السريع بغض النظر عن تأثيره و فائدته و دولة بلا ذاكرة حتما ستأول إلى ذوال و سيتآكل حاضرها كما تآكل ماضيها. و أعود إلى سؤالي الأول
هل هناك ثمة أمل في النجاة؟
نعم لحسن الحظ هناك أمل و هو العلم الذي يوقظ الوعي و يحفظ الذاكرة من الهلاك و يعيد تأثير الماضي على الحاضر فيربط التاريخ بالمستقبل و حينها يجد الشعب نفسه مرة أخرى و يفهم كيف تحيط به كل هذه المعابد التي تشهد بعظمة أجداده في حين يقبع هو في قاع الأمم و يتعلق بأذيال الحضارة.
و الحوار الذي يدور بين تاج و جده هو خير تمثيل لما تصورت أنه المقصد و الحكمة من القصة
ابحث عني تجد نفسك
أين و كيف؟
المدرسة يا تاج .. المدرسة.