تقدّم الكاتبة الإماراتية إيمان يوسف في روايتها قيامة الآخرين نصاً أدبياً، فلسفياً، صعباً لا يؤخذ من ظاهره بل بما بين أسطره، ويطلب من القارئ التأنّي والتركيز وإيلاء الاهتمام إذ ليس من الفهم بدٌّ.
وأعترفُ أنّني كرّرت مواضعَ وصفحاتٍ من الرواية كانت ممتلئة بما لا يُفهم، ودارت في رأسي أدوات التمنّي لأستوعب ما كان في هذا الفصل أو ذاك وما سيكون فيهما؛ حتى فسّره لي ما جاء بعدها، ولولا أني لا أترك روايةً بدأتها لتركتها وألقيتُ قلم تدوين الملاحظات من يدي وأعلنتُ أني حديثٌ على هذه الألغاز .. لكنّي لم أفعل وخيراً فعلت.
تتحرى الكاتبة إيمان يوسف في روايتها قيامة الآخرين قضايا وجودية حول صيرورة الحياة واليوم الآخر ومآل هذه الفانية؛ يتضح ذلك لنا من اسم البطلة ميعاد وعنوان الرواية قيامة الآخرين وثيمة العمل الأدبي وحكايته.
في الرواية تحدث مفارقة مع البطلة ميعاد، فبعد أن كانت مصوّرة فوتوغرافية مهمتها اكتشاف اختلاف تضاريس وجوه الناس وانعكاس المشاعر عليها، صارت ترى كل الوجوه وجهاً واحداً هو وجه رجلٍ ملتحٍ يشبه الآلهة في الأساطير اليونانية.
يتفاقم الاضطراب النفسي الحاد عند ميعاد ويسلب منها ميزة الإتصال البصري مع الناس؛ فيتركها زوجها وولداها تروّض وحوش النفس التي تكالبت عليها فيقيمون بعيداً عنها في الكويت، وميعاد المسكينة مبتلاةٌ في حبّهم فتتقاذفها الأحزان والآلام وتتقلب عافيتها من السلامة إلى التلف.
في فصول الرواية الثلاثة تُلقي الكاتبة ايمان يوسف منظاراً في يد القارئ ليرى من خلاله قضايا تمسّ منطقة الخليج حيث تدور أحداث الحكاية من مثل: غزو الكويت، وتجارة اللؤلؤ، وتاريخ بعض المناطق وغيرها من المواضيع التي أحسنت الكاتبة توظيفها دون إخلالٍ بثيمة العمل.
إذاً في الرواية قوّةٌ في التفنّن والإبتكار وهو مطمع القارئ المحترف الذي يتوق لنصوصٍ تتحدى تركيزه وفهمه. وبرأيي أن وظيفة الأدب أن يكون مُخاتلاً مخادعاً كلما أمسك القارئ بشيءٍ أُفلت منه، وأثار عنده ضروباً من الأسئلة والاستيضاحات في شؤون الحياة وفلسفتها، وأظنّ أنّه هدف الأدب وغرضه الأخير.
صدرت الطبعة الأولى من الرواية عن دار سرد، ودار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2019، وتقع في 177 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمجمل رواية جيدة لكنها لا تناسب -قطعاً- حديث العهد بالقراءة.