قلب أبيض جداً
تأليف
خابيير مارياس
(تأليف)
علي إبراهيم الأشقر
(ترجمة)
الرواية التي أُخذَ عنوانها من عبارة شكسبير: «يداي من لونك، لكن، يُخجلني أن أحمل قلباً أبيض جدّاً»، تُفتَتح بحادثةِ انتحارٍ يسردُها ماريّاس بطريقةٍ تكشفُ براعتَه في وصفِ التفاصيل والأحاسيس الغامضة. بدايةٌ صادمة، استعادية، لتاريخ عائلةٍ يُشكِّل فيه الأبُ محورَ علاقات مضطربة ومبهمة، تنعكسُ على تصورات الابن وأفكاره الغارقة في التشاؤم عن الزمن الآتي، وما يُخفيه الغدُ بوصفه، هنا، بوابة للجحيم.
مُنذ السطور الأولى يُدخلنا ماريّاس في جو ميلودرامي صادم، من خلال حادثة انتحارِ خالة بطل الرواية خوان، وزوجة أبيه في الوقت ذاتِه، في حمَّام المنزل أثناء مأدبة غداء عائلية مباشرةً بعد عودتها من شهر العسل. الحادثة التي وقعت قبل ميلاد خوان، تعودُ لتُلقي بظلالها على حياته، هو المتزوِّج حديثاً بلويسا الجميلة، والتي تشتغل في مجال الترجمة مثله.
بجملٍ طويلة، متشعِّبة، لا تخلو من الإيقاع الموسيقي الحاد، تتكشَّف عبر صفحاتِ الكتاب أسئلة إنسان العصر الموغلة في الشكِّ، واللاّيقين. بين عهد الطفولة والشباب المبكر، وبين نفسٍ بوليسي وآخر فلسفي؛ تتوالى مشاهدُ وأحداث الرواية التي تبدأ بجملةٍ حاسمة على لسان البطل: «لم أشأ أن أعرف، لكنّي عرفت».
عن الكتاب:
«موهبةٌ عظيمة... روايةٌ مرجِعٌ لفنَّان حقيقي»
لوموند
«غريبة كما هي رائعة، رواية مسلية وذكية»
واشنطن بوست
«عملُ مُصمِّمٍ عالي الدِّقة، أُنجِزَ ببراعة»
التايمز
«لا يوجد مثيلهُ في الأدب المعاصر... كتاب عبقري»
البرنامج التليفزيوني الشهير (الرباعي الأدبي)
«خابيير ماريّاس واحد من الكتاب الذين يجب أن يحصلوا على جائزة نوبل»
أورهان باموق
من الكتاب:
لم أشأ أن أعرف، لكنّي عرفتُ أن إحدى الفتاتَيْن التي لم تعد فتاة، والتي كانت رجعت من رحلة العرس منذ فترة ليست بعيدة، دخلتْ حجرة الحمّام، وفتحتْ بلوزتها، وخلعت حاملة الثديَيْن، وبحثتْ عن موضع القلب بطرف مسدّس أبيها الذي كان في غرفة الطعام مع قسم من العائلة وثلاثة مَدعوّين. لَمّا سُمع دويّ الطلقة بعد خمس دقائق من ترك الفتاة المائدة، لم ينهض الأب فوراً، بل ظلّ مدّة ثوان معدودات مشلول الحركة، وفمه ملآن من غير أن يجرؤ على مضغ اللقمة، ولا ابتلاعها، حتّى ولا إعادتها إلى الصحن؛ ولمّا نهض أخيراً وهُرع إلى حجرة الحمّام، واكتشف جسد ابنته، رآه مَنْ تبعه كيف كان يمسك رأسه بيَدَيْه، ويلوج لقمة اللحم من هذا الجانب إلى ذاك الجانب من الفم من غير أن يعرف ماذا يفعل بها. كان يحمل منشفة في يده، ولم يتركها حتّى تنبّه بعد لحظة إلى حاملة الثديَيْن ملقاة على (البيده). فغطّاها حينئذ بقطعة قماش، كانت في متناول يده أو هي في يده، وتلطّخت شفتاه، وكأنما كانت تُخجله رؤية قطعة القماش الحميمة أكثر ممّا تخجله رؤية جسم ابنته المحطّم وشبه العاري، والتي كانت على احتكاك به حتّى وقت قريب جدَّاً: احتكاك بالجسم الجالس إلى المائدة، أو المبتعد في الممرّ، أو الواقف أيضاً. وكان الأب أغلق، قبل ذلك، بحركة ميكانيكيّة، صنبور المغسلة، صنبور الماء البارد، الذي كان مفتوحاً بشدّة كبيرة. كانت البنت تبكي وهي تقف إزاء المرآة، وتفتح بلوزتها، وتخلع حاملة الثديَيْن، وتبحث عن موضع القلب، لأنّ عينَيْها كانتا مغرورقَتَيْن بالدموع وهي ممدّدة على الأرض الباردة في حجرة الحمّام الضخمة، دموع لم يرها أحدٌ خلال الغداء، ولا يمكن لها أن تطفر بعد سقوطها دون حياة. لكنّها، خلافاً لعادتها، ولعادة الناس بعامّة، لم تُقفل الباب. وهذا ما جعل أباها يظنّ (لكنْ، لوقت قصير، ومن غير تفكير تقريباً)، يظنّ ما إن ابتلع اللقمة أنّ ابنته ربّما كانت تأمل وترغب وهي تبكي، أنْ يفتح أحدٌ ما الباب ويمنعها من فِعْل ما فعلته، ليس بالقوّة، وإنّما بمجرّد تأمّلها عارية وهي على قيد الحياة. أو بوضع يده على كتفها. لكنّ أحداً ما عداها، لم يذهب إلى الحمّام في أثناء الغداء (ما عداها الآن، ولأنّها لم تعد فتاة). أمّا الثدي الذي لم يتعرّض للصدمة، فكان يبدو جلياً جدَّاً، أمويّاً وأبيض، وكان ما يزال صلباً، وإليه اتّجهت غريزياً النظرات الأولى، لا لشيء إلاّ لتجنّب توجيهها إلى الثدي الآخر الذي أصبح غير موجود، أو صار دماً فحسب. لم يرَ الأب هذا الثدي منذ مدّة طويلة، فقد كفّ عن رؤيته لمّا تحوّل وأخذ يصبح ثدياً أمويّاً، لذلك لم يشعر بالرعب فقط، وإنما بالاضطراب أيضاً.
----------------
خابيير ماريّاس:
روائي وقاصّ وكاتب تراجم ومترجم إسباني، وُلد في مدريد عام 1951، وعمل أستاذاً في جامعة أوكسفورد، وجامعات الولايات المتّحدة الأمريكية، وجامعات مدريد حالياً.
من مؤلّفاته الروائية: ممالك، والذئاب، وملك الزمان، والقرن، والإنسان العاطفي (نال عنها جائزة الرواية عام 1986)، كل الأرواح (جائزة مدينة برشلونة)، وقلب أبيض جدّاً (جائزة النقد) (صدرت عن المتوسط أيضاً)، و«فكِّرْ فيّ غداً، أثناء المعركة» التي حصدتْ خمس جوائز خلال عام ونصف العام بعد نشرها، وطُبعت خمس طبعات في السنة الأولى بين نيسان وأيلول عام 1994.
تُرجمت أعماله إلى الفرنسية، والإنكليزية (بريطانيا والولايات المتّحدة وأستراليا)، الألمانية والهولندية والإيطالية والبرتغالية والدانماركية واليونانية والنرويجية والرومانية والبولونية والسويدية والكورية.