بطريقة فنية «هندسية» وبناءٍ «معماري» متماسك يقيم القرملاوي روايته الجديدة «أمطار صيفية» على أنقاض «وكالة الموصلي»، ذلك المكان الثري الذي افترض وجوده وأنشأ شخصياته وأدار الرواية كلها حوله، بينما نحن نعلم منذ البداية أن ذلك المكان أصبح أثرًا بعد عين.
سيدور في ذهنك كثيرًا أن هذه الرواية كان ينبغي أن يكون اسمها «وكالة الموصلي»، ذلك المكان المميز الذي دارت حوله الرواية وشخوصها، ولكن للمؤلف دومًا شأن آخر، عرفناه في رواياته السابقة، فلم تكن «التدوينة الأخيرة» كذلك، ولا كان «دستينو» -ذلك الاسم الغريب- كاشفًا لما سيأتي في الرواية، من هنا -ربما- جاء العالم وبني هذا الاسم، ذلك أن «القرملاوي» بين الثنايا، وفيما أنت منمدجٌ بين الأحداث والشخصيات، سيضع عددًا من حكايات الوكالة، تلك الحكايات التي قد لا توليها كل الاهتمام حينها، ولكن لعلك تعود إليها في قراءةٍ تالية لتتذكر الحكاية التي تحكي عن أمطارٍ تهطل في الصيف عقب زيارة أحد الشباب للوكالة، وكان يشكو وجده، ورغبته في الرحيل عن الدنيا.
ولكن الرواية مع ذلك ليست عن «الوكالة» ولا عن «الموصلي»، بل عن آخرين عاشوا حول تلك التحفة الأثرية الخاصة جدًا، التي غدت مركزًا روحيًا وموسيقيًا فريدًا، يؤمه المريدون من كل مكان وتتمازج فيه الأوردة الصوفية مع النغمات الموسيقية العذبة التي تصدح عن أعوادٍ رنانة صُنعت خصيصًا لهذا المكان وبين أصحابه. تحكي الرواية حكاية أصحاب هذا المكان والمترددين عليه؛ «ذاكر رسلان»، «الأستاذ» آخر شيوخ الوكالة القائم على أعمالها والذي يسلّم عهدته إلى تلميذه النابه العوّاد الماهر «يوسف» الذي يتعلق قلبه بابنته «رحمة»، في الوقت الذي يسعى إلى إنجاز رسالته في الماجستير عن «الموسيقى العربية» وتدور حوله «زينة ديناري» التي تطمح أن تحقق أحلامها في تحويل الوكالة إلى مركز فني بمواصفات عالمية ولن يتم لها ذلك إلا بمساعدته، وفي المقابل نجد ذلك الشاب «زياد» الذي دخل إلى الوكالة بائعًا يبحث عن فرصةٍ لتحقيق أحلامه بين رواد الوكالة وزائريها والتي تتعثر كلها وتنهار على أنقاض تلك الوكالة!.