بعد بلوغه الأربعين من عمره، قرر الشقيري الاعتزال في جزيرة نائية لمدة أربعين يوماً، ليخرج بعدها لنا بكتاب "أربعون" الذي قسمه إلى عشرة فصول يحوي كل منها أربعين خاطرة أو حكمة نتجت عن خلوته وتفكره في ذاته وفي خالقه وحياته وحاضره والحكم التي اقتبسها من أحداث ماضيه، وخطط لتحسين مستقبله.
حكت هذه الفصول عن حياته، نفسه، إلهه، قرآنه، كتبه، حكم الناس، تحسيناته، ذكرياته وقصصه. كان كل فصل منها يحوي روحاً مختلفة وطريقة مختلفة وفكراً متجدداً، ولكنها كلها كانت تنبع من نبع التفكر لتصبّ في مصب الإصلاح والتغيير للأفضل والنصح به.
رأيت الكتاب جيداً، فقد تراوح بين التنمية البشرية والسيرة الذاتية والرقائق والحكم والقصص، وكل فصل كان يحوي جديداً ومفيداً.
اكتشفت في هذا الكتاب شخصية الشقيري بشكل أعمق، و أحببت في هذا الشخص عزيمته على تغيير وإصلاح نفسه قبل كل شيء، وعلى تطبيق ما ينصح الناس به على نفسه في المقام الأول.
أحببت تواضعه وعدم تحرجه عن ذكر قصص محرجة أو مؤلمة أو مضحكة حدثت معه، والتي قد يجدها آخر من "المشاهير" من أكبر الفضائح التي قد تُكشف عنه.
أحببت أيضاً التزامه وتفانيه في تغيير جميع من\ما حوله، وكيف أنه يحاول ألا يسمح للشهرة ولا للمال والمكانة من أن تغير في نفسه شيئاً إلا مما فيه نفعه ونفع ما حوله ونفع أمة الإسلام.
أفادني الكتاب في بعض النواحي، وكان تذكيراً مفيداً في نواحي أخرى، ونواحٍ غيرها لم أستشعر من وجودها نفعاً علي فقرأتها على مضض.
كان الكتاب متنوعاً ويصب في التحفيز على القراءة والتفكر والتدبر في النفس والخالق والحياة، وكان كما قال الشقيري موجهاً إلى عامة الناس في المقام الأول، ولذلك جعل لغته سهلة وبسيطة وقريبة من الأسلوب العامي، وكتب بعض الفقرات باللهجة العامية التي لم أحبذ أبداً الكتابة بها.
حتى لو كان هدفه البسطاء من الناس كما قال ، ولكن أظن البسطاء يستطيعون القراءة بالعربية الفصيحة البسيطة أيضاً، وليس فقط بالعامية!! ولذلك وجدت هذه نقطة ضعف كبيرة في هذا الكتاب.
أما النقطة الأخرى فكانت في التنوع الكبير للكتاب لدرجة التشتت، فلم أجد داعٍ لذكر بعض الأمور والقصص، ولا من إضافة بعض الفصول التي كانت منقولة ولم تكن من تأليفه.
على العموم، كان الكتاب جيداً جداً وأنصح بقراءته محبي الشقيري ومتابعيه أولاً، والقراء المبتدئين ثانياً، فالصنف الاول لن يمنعه شيء من إكمال هذا الكتاب مهما وجد فيه من نقاط الضعف (كحالتي)، والصنف الآخر ربما لن يجد ما قد ذكرته أصلاً، بل قد يحبذ وجوده أيضاً.