لفترة كنت أتناول كتب الراحل بسام حجار وأجد فيها سلوة وطمأنينة عذبة لعذابات الروح وأسئلتها، لكن .. كان عقلي لا يهتدي لنظام يضم كل ما ألتهمه من الأعمال بنسق سليم، إلى أن اهتديت إلى ديوان الأعمال الكاملة الذي قدّم له وقدّمه لنا الأستاذ علي خضيّر، وكما يقول الأستاذ عليّ: "بسام، الشاعر الذي ما إن يُقرأ حتى ينفذ إلى الروح. لما يزل هذا الشاعر قادراً على مواساة الروح اللائبة ومس خيط الشجن الخفيّ الذي يمر بنا كلنا." هذا باختصار ما يفعله الشاعر الراحل في أعماله .. في كل ما كتب .. الأستاذ علي في مقدمته شارك معنا -بحسّ الشاعر- ما اكتشفه وما اهتدى إليه من أسرار شعر ونثر بسّام حجّار.
لسنين طويلة، كان آخر الأصدقاء الذين لمسوا جذوة الروح وآلامها العِذاب، بيسوا في لاطمأنينته، وبيسوا ليس الصديق الذي يمرّ كمجرد مرحلة، بيسوا أعاد تنسيق الروح قبل الحزن الأكبر، وبعده، كان من العسير العثور على الصديق المرآة الذي يكونه الصدوق بما يشكّل الشعور ويرتّب دقات القلب، وبقي الأخير إلى لقائي ببسّام حجار. هو المترجم عن الفرنسية في أول لقاء على غلاف "تلك العتمة الباهرة"، وإذ لا ينال المترجم حقه من الصداقة بين ثنيات الكتب، فلقائي الأول حقيقة في "معجم الأشواق" حين خطف لنفسه نبضة بمجرد إهدائه، ثم حاز الانتباه كلَّه في "مجرد تعب" و "بضعة أشياء"، ومن حبّ الأصدقاء أكبره في "حكاية الرجل الذي أحب الكناري"، وهنا استقرّ كصديق يجمعني بصديق، وحب يصدّق حبَّاً بدفء، إذ يستهل ويختتم الحكاية باقتباسين من أغلى ما حكى بيسوا عن عذاباتنا -نحن الذين نكابد الحياة بالوعي وبالحسّ-، وإذ يمشي فيها بين لاطمأنينة أن تكون آخر وطمأنينة الوعي بأنك لاأحد.