"لو أن أمي تهرع إلى البحر كما فعلَت الجارة عندما اختفى ولدها وكان في الثامنة من العمر وقبل أن البحر ابتلعه. تهجم على الأمواج، تفتح زر فستانها، تخرج ثديها العارم، تشدّ على حلمته من أجل أن تنزّ الحليب ولو قطرة، تشدّ على حلمته حتى تصيح من الألم. وفي اليوم السابع لفظ لها البحر جثة ابنها." - امرأتان على شاطئ البحر للأديبة اللبنانية حنان الشيخ 🇱🇧
إيڤون المسيحية وهدى المسلمة الشيعية، صديقتان لبنانيتان يجمعهما رابط مضفور من تسلّط العائلة باسم الدين والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى ذكريات الحرب الأهلية و"القتل ع الهوية" في الحواجز والمعابر، وهو الجرح الذي لم يلتئم بعد في الوجدان اللبناني.
في هذا الأدب النّسوي بامتياز، تتغرب الفتاتان في كندا وإنجلترا ثم تلتقيان في عطلة صيفية بلبنان كي تجدا أن الضغائن الدفينة والأحقاد القديمة حية لم تمت رغم مرور عقود، وأن الوطن لم يعُد وطنًا، وإنما امتداد للغربة. على شاطئ البحر، تجتر كلٌ منهما أحزانًا وآلامًا تنبض في حشاش القلب، فنكاد نلمس الندوب التي يُخلّفها التسلط الذكوري المعتاد في وجدان الفتيات في بلداننا العربية.
ورغم الأسى الذي يشعر به القارئ، إلا أن حنان الشيخ لم تغفل اللغة حقها، فأتت بمقاطع بديعة في وصف البحر المتوسط وسادته القدامى في سواحل لبنان (الفينيقيين) وبهجة سني المراهقة حين ارتياد البحر والاستسلام لسطوته، كما أنها لم تغفل عن ضبط إيقاع الرواية بما يتناسب مع محتواها الدرامي، وصولًا إلى مشهد النهاية الذي تتحرر فيه إيڤون وهدى من عقدة الذنب حين تدركان طبيعة القمع وقسوة التجريح الذي تعرضتا له، فيفتح لهما البحر ذراعيه مجددًا كي يغسل عنهما الحزن.
#Camel_bookreviews