من قال أن أطفال المياتم لا يكبرون إلا ليكونوا عبئاً على المجتمع نتيجة سوء نفوسهم والـ"عقد" التي زرعت فيهم منذ الصغر؟ لم لا نقول بأنهم رُبّوا في المياتم ليكونوا هكذا بالضبط؟ تظهر هذه الرواية كم أن اليتيم -حاله كحال غيره من الأطفال- لا يحتاج سوى اهتمام وحضن دافئ ونظرة أم ورعايتها. تظهر كم أنه من اليسير تربية أيتام دور الرعاية على أحسن ما تكون التربية فقط إذا وجد الحب والحنان الكافيين النابعين من قلب صادق، لا بدافع الواجب والمجاملة. كل طفل في هذا العالم يستطيع سبر أغوار نفوسنا ليعرف المحبّ الصادق من المدّعي المتذمر النافر. وكل طفل في العالم يحتاج الأول ليكبر معه وبه وتحت رعايته.
تناول الجزء الثاني من رواية صاحب الظل الطويل قصة ميتم جودي آبوت، في حين غابت جودي تماماً عن المشهد لتحتل مكانها رفيقة دربها ومديرة الدار الجديدة سالي. أرتنا أحداث الرواية مسار انتقال سالي من الإكراه على أداء وظيفها مجاملة لجودي، مروراً بتخليها المؤقت عن فكرة ترك الدار، انتهاء بقرارها التخلي عن مستقبلها واستقرارها وزواجها، في مقابل البقاء أماً سعيدة لمائة وسبعة أطفال أحبتهم محبة أمّ مشفقة.
تخبرنا الرواية كيف أن وجود الشغف والإرادة وروح الحماس قد حوّل "مقبرة الأيتام" تلك إلى جنة يعيشون فيها أجمل ذكرياتهم. وكيف أن اتّحادهم حوّل عملية التغيير من واجب مقيت مُتكاسل عنه إلى متعة وعزيمة وإصرار.
فالإرادة تقهر المصاعب، وروح الحماس تضفي الحياة والأمل على كل تحدٍ، والشغف يقتل كل معاني اليأس والكسل، ويحول كل صعوبة إلى جمال ويسر وسعادة،
تركتني النهاية المفتوحة للرواية مفعمة بالبهجة والتفاؤل، وتوقعت أحداثها منذ الفصل الأول، وانتظرت إشارات تحقق توقعاتي بفراغ صبر، وتحققت.. كالعادة. (يبدو بأنني أخرب متعة قراءة كل رواية وكل نهاية بتوقعاتي دائمة التحقق حولها! ).
استمتعت كثيراً بالرواية وبأسلوب رسائلها. فلطالما استهوتني قراءة رسائل من القرون الماضية لما فيها من فيض أدب ولباقة وحسن صياغة ووصف وتعبير. وأكثر ما أحببت فيها كان روح المرح والفكاهة التي ظهرت في كل رسالة، فلم تخل رسالة من تعابير أو أوصاف أو أحداث ترسم البسمة على وجه القارئ على طول الرواية.
قرأت النصف الأول بتكاسل على مدى أسبوع، ولكنني التهمت نصفها الثاني بساعتين متواصلتين من المتعة وروح التفاؤل.
رواية مليئة بالمعاني والأمل والكثير من التذمّر البريء والطفولة.. وشقاوات الصغار البريئة (نوعاً ما).
وفي النهاية أقتبس: "قد منحك الله يدين اثنتين وعقلاً وعالماً كبيراً تستخدمهما فيه" فلم تدعي قلة الحيلة وضيق ذات اليد أيها الإنسان؟
لولا بعض التطويل والإسهاب في جوانب كان يمكن اختصارها، لاستحقت الرواية تقييمي الكامل.