ستظل رواية ظل الريح هي بوصلة تقييم بقية أجزاء سلسلة مقبرة الكتب المنسيّة، شاء الكاتب ذلك أم أبى، فالنجاح المنقطع النظير للجزء الأول يدفع القارئ دون وعي إلى المقارنة مع أي جزء جديد يقرأه.
لا يزال كارلوس زافون مُبدعًا في سرده الرائع، وفي وصفه لأجواء برشلونة، لكن كل شيء في الرواية كان ناقصًا عدا الحوارات بين الشخصيات! مقارنة بظل الريح فإن الاحداث في رواية سجين السماء قليلة، والتشويق كان أقل، ووصف أحياء وشوارع برشلونة أفقر بكثير، وعلى الرغم من كثرة الحوارات إلا أن الجمل الحوارية المُبهرة والتي كانت تصلح لاقتباسات مُذهلة، لم تكن بنفس درجة الإبهار في هذا الجزء. ولا يمكن إلا أن يشعر القارئ بتعجّل الكاتب في إنهاء هذا الجزء، وهذا يجعلنا نتوقع صحّة الشائعات التي تحدّثت عن إجبار الناشر لكارلوس زافون بالإنتهاء من هذا الجزء بشكل سريع. مما جعله يعتمد على الحوار الداخلي لتغطية العمل غير الناضج فنّيًا، فقام بزيادة جرعات السخرية والتي هي بطبيعتها رائعة، لكنني شعرت بأن الكاتب أفرط فيها لتصبح جرعتها أعلى من القدر اللازم. شعرت بذلك بقوة مع شخصية فيريمن الرائعة وشخصية بيا الجميلة في بعض الأحيان، مما أفقدهما بعض البريق الذي تألقا به في الجزء الأول. لكن هذا لا يمنع إطلاقًا بالاعتراف بأن السرد لا يزال مُذهلًا بحق، والتداخل بين الشخصيات والأحداث والأجزاء السابقة مُتقن إلى حد مُبهر.
نجح الكاتب بالهروب بالجزء الثاني "لعبة الملاك" من هذا الفخ، وذلك بتغيير سمة العمل بشكل كامل في ذلك الكتاب، حيث قام بتغيير الزمن والشخصيات وحتى تصنيف العمل بإضافة أجواء رعب وتشويق اختلفت تمامًا عن الجزء الأول، لكن عندما عاد مع "الجزء الثالث" إلى إكمال الحكاية في مسارها الطبيعي، ومع العودة إلى الشخصيات التي عرفناها في الجزء الأول، بدأت المقارنة بشكل غير إرادي مع جودة الجزء الأول.
رواية سجين السماء ممتعة وجميلة، وهذا لا يتعارض مع النقد الذي كتبته بالأعلى، لأن الرواية تُعتبر ممتازة كعمل أدبي مستقل، لكنها أقل جودة من أجزاءها السابقة وبخاصة من الجزء الأول ظل الريح.
أتصوّر أن الجزء الأخير سيكون قويًا خاصة أنه سيأتي بشخصيات محورية جديدة، تتمثّل في بطل جديد "وهو كاتب أيضًا" وشخصية نسائية جديدة باسم أليس. وأنا على انتظار هذا الجزء على أحر من الجمر لأنه يحتوي على جميع الإجابات المُعلّقة حتى الآن، وأظن أن هذا الجزء سيكون ملحميًّا كون عدد صفحاته تجاوز تسمعمائة صفحة.
استمتعت جدًا بالرواية، لكن توقعاتي كانت أعلى بكثير مما حصلت عليه بالنهاية.
تقييمي للرواية 3 من 5
مع الأخذ بالاعتبار أنني خفضت نجمة كاملة بسبب عبارات الإلحاد والسخرية من الذات الإلهية، رغم وجودها القليل في الرواية
الاقتباس الأفضل في الرواية
"في هذه الحياة يُغفَر كلّ شيء، عدا النطق بالحقيقة”
أحمد فؤاد
5 أيّار 2019