#ريفيو
#الباقون_و_الهاربون
إيلينا فرانتي
إيلينا غريكو هي حمقاء كبيرة، لم أستطع منع نفسي من شتمها ولا من استهلال مراجعتي لهذا الجزء إلا بهذه الطريقة، لأن النهاية كانت دائما ما يميز كل جزء ولم تخيب فيرانتي أملي في هذا الجزء أيضا.
وأخيراً وصلت القصة إلى مرحلة نضج حقيقي، ففي هذا الجزء تتعمق بنا الكاتبة في أعماق الحياة الحقيقية بعد الدراسة ومرحلة محاولة اثبات الذات التي ظلت ترهق بطلتنا غريكو، فدخلت متاهات النضال السياسي المحموم في تلك الفترة، وبدأت تميل أيضا نحو النضال النسائي، والحقيقة أن الكاتبة كلما أوغلت في وصف ايطاليا وحالتها في ذلك الزمن( الستينيات والسبعينيات) كلما شعرت أنها تتكلم عن دولة عربية، لولا أننا لا نمتلك تلك الحرية كلها في التعبير عن آرائنا خاصة أمام أدغال الجامعات وملوكها، واعرف أن الجامعة هي المكان الحقيقي لميلاد اي نضال قد يغير المجتمع لهذا عرفت الآن لماذا جامعاتنا فارغة ولا يلهث الطلاب الا نحو التخرج والفرار من ذلك الجحيم( هكذا اكون إحدى الذين فروا بلا شرف) وهكذا تكون الكتابة، ملهمة، محرضة، موحية بالأفكار، مستنطقة للتاريخ لا مجرد مسطر له وهنا ارفع القبعة للكاتبة بل واتمنى لو أستطيع الوصول إليها لأعانقها فقط.
فلنعد الى إيلينا الأخرى، بطلة الرواية، لقد جننتني فيرانتي لدرجة شفافية شخصيتها هذه، وفي الطرف الآخر شدة غموض ليلا، النصف الآخر لشخصية البطلة، أو البطلة الحقيقية، ومن ناحيتي فإني أفضلها بمراحل على غريكو، فالشخصيتان في الحقيقة وجهان لذات العملة، إيلينا مترددة ومهزوزة رغم كل ما تمتلكه ويغيظها أن ليلا مستقلة ولا تتعلق بأحد ولا تفعل إلا ما تراه مناسبا، وليس بالضرورة صوابا، باختصار ليلا شخصية واقعية، وحدها إيلينا تضخمها وتفرعنها إن صح القول لتبرر لنفسها ضعفها أمامها، أجد صداقتهما إنسانية جدا لأني أعرف بعض ما مر بينهما، ولكن تربكني دوما مبالغة إيلينا في تحميل ليلا ما لا ذنب لها فيه، واجد احيانا أن الراوية تتصرف تماما كالكلب الذي يتشاجر مع ذيله، فهي تبتعد عن من تسميها صديقتها، وتعود بمفردها، وبالعودة بالذاكرة إلى ما بقي بها من الأجزاء السابقة، أجد أن علاقة الفتاتين كانت صداقة في الطفولة فقط، وظلت مستمرة لأن صداقات الطفولة من الصعب أن تنتهي بل تخفت قليلا ولكنها تنتعش بمجرد أن يلتقي الصديقان، فما عرفاه عن بعضهما في تلك السن اقوى من كل ما يأتي بعده، باختصار انها علاقة تشبه الأخوة، وهكذا تستمر إيلينا غريكو في حميميتها الغريبة تجاه صديقتها ولأجدني أتساءل، هي تتحدث فقط عن نفسها حتى عندما تتحدث عن ليلا فهي تتكلم بشكل سطحي، هي لم تدخل يوما في عمق تلك المرأة الغامضة، اذا فستظل روايتها هذه من جانب واحد، علينا أن نسمع رواية ليلا( ماذا لو فعلتها فيرانتي😍) حينها بالتأكيد ستتضح الأمور لنا، وذلك ما قد يحدث في الجزء الأخير😢 الذي أخاف من نهايته منذ الآن. وحتى ذلك الحين سأظل مقتنعة أن إيلينا مخطئة جدا في حماقتها، وانها باختصار" حمارة، بل أكبر حمارة حقيرة أيضا"
ولنأمل أن تتضح الأمور كلها في الجزء التالي.
شيء أخير، منذ البداية وبعيدا عن أحداث الرواية أظن أن إيلنا وليلا هما في الحقيقة مزيج واقعي من حياة الكاتبة بل هما الكاتبة ذاتها، مع بعض التوابل التي اكتسبتها على مدى السنوات، بالتأكيد مزجت صديقتها معها، لكني بقناعة أقول أنه لا أحد يستطيع أن يحاكم صديقه بهذه الطريقة، هي إنما تتحدث عن نفسها.
وها هو إذن اقتباس مرعب من الصفحات الأولى من الجزء الرابع" هذا الصباح، أهادن الارهاق، وأجلس خلف المنضدة من جديد، الآن وقد بت على مقربة من أكثر اللحظات مأساوية في حكايتنا، أريد أن أبحث في الصفحات عن توازن بيني وبينها، توازن عجزت عن العثور عليه في الحياة، حتى بيني وبين نفسي"👌
# الشكر الجزيل للأخ عابر سبيل فبفضله قرأت هذا الجزء بأسرع مما كنت اتوقع وكذلك الجزء اللاحق.
#ماريا_محمد