❞ يتولد عن الكتلة بما تعنيه من حضور افتراضي للمجتمع التاريخي إحساس بأن التوثيق منقوص، لا بسبب فراغاته المرصودة في ما سبق فقط، بل أيضاً لأنّ في كل مجتمع أوجهاً متداخلة للنشاط الإنساني من اقتصاد ونفوذ وفكر وفئات اجتماعية وتصور وحساسية للفنّ وللموقع بين المجتمعات الأخرى وحركات جارية فيه. ما وصلنا هو في الأساس ما حفظته المصادر، وما حفظته المصادر هو القليل الباقي ممّا حفظته الذاكرة أو الذّاكرات المتتالية في مراحل ماضية، وحفظته بأشكال تستجيب في كلّ مرحلة لحاجات جديدة متغيرة. يبقى للحضور الافتراضي للمجتمع التاريخي قيمة كبيرة لأنه يدفع للوعي بأنّ الفراغات، وهي كثيرة في كل توثيق للمجتمعات القديمة، هي ”فراغات في التوثيق وليس في التاريخ“، وينجر عن هذا الوعي بحدود الوثيقة بقاءُ مطلب البحث قائماً بذاته بصرف النظر عن مضامين التوثيق ومسلّماته. أليست العمليّة التاريخيّة في جوهرها رتْقٌ لفراغات؟ دون الوعي بحدود الصورة بشكلها الوارد في المصادر، لا يبقى من مجال سوى مجال استعادة الصورة بشكلها المتداول وتبَنّي مضامينها الأصليّة، وهو ما ينتُج عنه بالضرورة استحالة تجديد كتابة تاريخ العرب القديم وتاريخ الإسلام الأوّل خاصة. فمن وجهة نظر علمية، يستحيل في نظرنا تجديد تاريخ الإسلام دون تجديد تاريخ المرحلة القبإسلامية. ❝
هي ورقة بحثية أكاديمية أكثر من أن تعد كتابا لعامة القراء. تتناول الورقة ثلاثة ممن اشتهر عنهم الدعوة للتوحيد قبل الإسلام و هم خالد بن سنان العبسي و قس بن ساعدة الإيادي و الرئاب بن البراء الشني. و لأن المعلومات عنهم قليلة جدا و عليها اختلاف كبير فقد تمحور الكتاب أو كاد حول نسب كل منهم و مكانه في جزيرة العرب أكثر من تسليط الضوء على دعوته و أتباعه و تأثيره في المجتمع. فقد تجد ذلك كله في صفحتين أو ثلاث في أخر كل فصل. البحث هو فاتح شهية للمزيد من البحث و التنقيب في التراث لعلنا نسبر غور فترة مظلمة من التاريخ العربي نحتاج بشدة لفهمها و معرفة تاريخها كمقدمة لتاريخ الإسلام.