"إذا تركت الباب نصف مفتوح، فسُرعان ما تسمع صوت الهمس..
إذا لعبت في الخارج وحدك، فسُرعان ما تصير غير قادر على العودة إلى البيت..
وإذا تركت نافذتك غير مُقفلة، فسوف تسمعه ينقر على زُجاجها..
إذا كُنت وحيداً، حزيناً، مُكتئباً، فسوف يأتي الهامس إليك.."
رواية "الهامس" من أهم روايات السنة لعدة عوامل.. فقد نالت إحتفاء واضح مما أدى إلى سُرعة ترجمة العمل.. فالعمل صدر بلغته الأصلية "الإنجليزية" في شهر (6) يونيه 2019.. وتُرجم عن طريق واحدة من أهم دور النشر وهي دار التنوير ضمن سلسلة منشورات الرمل.. في شهر أكتوبر 2019 بترجمة الرائع "الحارث النبهان". وكانت مُرشحة لجائزة كتاب العام على موقع الجودريدز.. في فئة "الغموض والإثارة".
والعامل الثاني الذي قد يُدغدغ فضولك ولو قليلاً هو خلفية الكاتب: "أليكس نورث" هو اسم مُستعار لكاتب آخر له بالفعل روايات أو رواية صادرة وقد نالت إحتفاء كبير أيضاً.. فلماذا قرر أن يكتب تحت اسم مُستعار هذه المرة؟ قد تتباين الإجابات.. ولكن دعنا نعترف أنها حركة ذكية لتجذب الإنتباه أكثر إلى العمل. ولكن هل كان العمل على مستوى الإحتفاء والأهمية؟ دعنا نرى..
تدور أحداث رواية "الهامس" في بلدة "فيذربانكس" عندما يُقرر "توم" وابنه "جيك" أن ينتقلا إلى تلك المدينة بعد الوفاة المآسأوية لـ"ريبيكا" زوجة "توم" ووالدة "جيك" بطبيعة الحال. بداية جديدة لكي يحاولا الإنتصار على أحزان الماضي.
في نفس الوقت، تحدث جريمة اختطاف لطفل يُدعى "نيل سبنسر".. وذلك ما آثار حفيظة المُحقق "بيت ويليس" ذو الـ56 عام.. لأن جريمة الاختطاف وحيثياتها تُشبه إلى حد كبير تلك القضية التي غيرت تفكيره وكُل شيء في حياته.. ولكن تلك القضية كانت مُنذ عشرون عاماً.. بل وقد أقفلت أيضاً بحبس القاتل "فرانك كارتر" الذي اختطف خمسة من أطفال "فيذربانكس" وقتلهم.. وعثروا على جُثث الأطفال ما عدا "توني سميث" وذلك ما جعل هناك غصة في حلق "بيت".
فلو كانت تلك القضية لها علاقة من قريب أو بعيد بـ"فرانك كارتر: الهامس"، إذاً، فهو لديه شريك! إذاً، ذلك الشريك رُبما يعرف أين جثة "توني سميث"! ولكن.. الإعتراف بأن هُناك شريكاً، يعني أنه ستكون جرائم قتل قادمة لأطفال آخرين! يا للمصيبة!
وتمضي بنا الأحداث ليتقاطع خط "توم" و "جيك" مع "بيت ويليس".. لنكتشف مُفاجأة كبرى لن أكشفها ولكن هُناك علاقة قديمة بينهم.. علاقة سيكون لها تآثير كبير على الأحداث.. في الماضي وفي الحاضر وفي المُستقبل.
ثم نرى تحقيقات "بيت ويليس" و"آماندا بيك" التي تُساعده في القضية من أجل العثور على الشريك السري.. لتُفتح أبواباً من جهنم في وجوهنا.. أسرار كثيرة تُكشف.. جثة في صندوق.. شخص يحاول إقتحام منزل "توم" و"جيك".. المالك السابق لمنزل "توم" واسمه "دومينيك بارنيت" قد قُتل ويبدو أنه له نشاطات إجرامية كثيرة.. وتورط "توم" و"جيك" في الأحداث ليكونوا في وسط قضية "الهامس"!
نكتشف ذلك النادي العجيب والمُريب الذي يهتم بالجرائم والدماء.. وعلى رأسهم ذلك الرجل الغريب المُسمى "نورمان كولينز".. والذي لديه إهتمام بقضية "الهامس" رُبما أكثر من الشرطة.. فهو يبحث عن مُتعلقات الجرائم على شبكة الإنترنت.. ويشتريها بأموال طائلة.. وحتى عندما أتيح له فُرصة التواجد مع أحد الجثث في غرفة واحدة لم يتردد وأعتبرها شيء مثل عبادة روحانية! ما بال هذا المخبول؟
ولكن..
لنترك اللغز والجريمة والإثارة والتشويق فذلك ما قد يأتي على بالك أن هذا ما تدور حوله الرواية.. ولكن ما لمسني فعلاً هو علاقات الأباء بأولادهم.. وبالأخص عندما يكونوا أباء عُزاب في حالة "توم" مثلاً.. وتعقيدات العلاقة.. إنعزال" جيك" على نفسه.. وحتى إنعزال "توم" وهو لا يستطيع أن يؤدي مُهماته كوالد ويرى فيها مشقة كبيرة لأن زوجته كانت تقوم بكل تلك الأمور.. ولكن الآن لا يوجد غيره هو وابنه فقط! فهل ستكون تلك شكل الحياة التي يُريدها؟ هل سيُكرر مآسأة والده مرة أخرى؟ بعد كُل ما حدث وكم يكره والده.. هل هذه الصورة التي يُريد ابنه أن يآخذها عنه؟
وحتى "بيت" الذي كان والداً سيئاً للغاية في الماضي.. كان شخصاً مُنغمس في الشُرب والغضب حتى بعدما رزقه الله بحياة أسرية جيدة.. زوجة مُحبة وولد رائع.. ولكنه دمر كُل ذلك.. حتى أصبح كهلاً وحيداً.. ورأينا لمحة أن ذلك كان بسبب سوء علاقته مع والده أيضاً!
ولكن العلاقة الأبوية الأكثر إساءة كانت علاقة "فرانك كارتر" بابنه.. من البداية حتى النهاية كان "فرانك كارتر" يرى ابنه غير جدير بأي شيء.. رُبما كان ذلك السبب الأساسي في كُل جرائمه أنه يرى كُل الأطفال غير جديرين بأي شيء.. هم لا يستحقوا إلا القتل.. ومن المُمكن أن يكون ورث ذلك من والده أيضاً.. فكما ترى العلاقات الأبوية هُنا غريبة جداً.. ومُسيئة..
عندما يُسيء لك شخصاً في طفولتك تُحفر تلك الإساءة في ذاكرتك لكونها أول مرة تتعرض لمثل هذا الشيء السيء.. فما بالك لو كان والدك هو المُسيء.. ستظل تكرهه طوال حياتك.. كم كان قاتلاً لطموحاتك مُثبطاً لعزيمتك جاعلك تشعر باللاشيء وأنك غير مُهم ولن تكون! بالطبع لو جاءك بعد رُبع قرن مُعتذراً.. ستغلق كُل الأبواب في وجهه ورُبما تسبه بأفظع الشتائم.. ولكن لو لمست فعلاً أنه تغير وأصبح شخصاً مُختلفاً عن ما كان.. هل ستسامحه؟
بالطبع هذا لن يجعل من الرواية إجتماعية تربوية توضح وتُهذب العلاقة بين الأب والابن ونُهمل الجانب التشويقي الغامض.. ولكن بكل تأكيد نستطيع أن نرى أن الهدف من الرواية كان أن يُبرز الجانب الإجتماعي مع الجانب التشويقي وذلك ظهر حتى بعدما عرفنا من القاتل قبل النهاية بفصول.. ولكن كان عندك فضول لتُكمل وتعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.. وكيف سيتفاعل ويتقابل بعض أشخاص الرواية؟
ولكن النهاية لم تكن سعيدة للغاية.. وهُناك حدث بعينه وجدت نفسي أخبط على المكتب عندما حدث لأحد الشخصيات.. ولكن بعد قليل من التفكير وجدت أن رُبما كان ذلك أفضل لمصلحة جميع الأطراف.
ختاماً..
رواية "الهامس" للكاتب "أليكس نورث" تستحق القراءة بفصولها الكثيرة وشخصياتها الفريدة وحتى حبكتها الرائعة.. التي ستُجيبك على كل الأسئلة التي طرحتها طوال فترة قراءتك للرواية..
وفي آخر الأحداث، تخيلت وتمنيت أن يكون هُناك جزء ثان لنفس الشخصيات.. من المُمكن أن يكون قبل تلك الأحداث تماماً.. عندما قبض "بيت ويليس" على "فرانك كارتر".. وسيكون ذلك رائعاً.. ولكن بكل تأكيد أنني سأكون مُهتم بكل ما يكتبه "أليكس نورث".
وتذكر يا عزيزي..
إذا كُنت وحيداً، حزيناً، مُكتئباً، فسوف يأتي الهامس إليك.