"الأشياء تُنادينا" قصص سيريالية رمزية غامضة مُستعصية الفهم، رغم أنها تُعبّر عنّا بكل وضوح!
في روايــة friends Absolute لــ جــون لي كاريــه، يقــول أحــد الجواسـيس لجاسـوس مبتـدئ ومرتـاب: "نحـن لا نعيـش في الواقـع، إنما نـزوره"
شردت كثيرًا في هذه الجملة وأنا أقرأ المجموعة القصصية "الأشياء تُنادينا" للروائي والقاص الإسباني خوان خوسيه ميّاس. كيف يُمكن أن نرى الواقع الذي نعرفه وكأنه غريب علينا؟ إن الواقع هو ذاته الذي نعيشه، فما الذي يجعله غريبًا كما يصوّره ميّاس؟. إنه نوع من السحر الذي يجعل الأحداث السيريالية الغريبة واضحة جدًا لنا بشكل غامض! كيف يُمكن أن نشعر بهذه الغرابة بأنها شيئًا حميميًا وكأنها -تلك الغرابة- خاصة بنا بشكل خاص، أي كأنها تحكي ذواتنا نحن!
يستخدم خوان السيريالية بشكل مُبهر، والإبهار هُنا ليس في طريقة السرد أو حتى في أشكال القصص التي تترواح بين الماورائي أو الفانتازي أو العبثي في بعض الأحيان، وإنما المُبهر هو تماهي القارئ في السرد والمحتوى على الرغم من إشكالية فهم المعنى المُلغِز في نهاية كل قصة! المُذهل أن القارئ وبشكل ما يعيد تعريف الأشياء التي تحيط بنا في هذا العالم، ونتعرّف على أنفسنا، أو بالأحرى على المناطق الضبابية منها؛ تلك التي تحتوي على العديد من الأسئلة الكُبرى في هذه الحياة.
تفاصيل بسيطة مُهمَلة في ذاكرتنا أو في الجانب المُظلم من الذاكرة، يُلقي عليها الضوء خوان ميّاس بشكل مُلحّ لينفجر داخلنا شلال من أسئلة بلا إجابات. وفي وسط القصص التي لابد أن نرى أنفسنا في إحداها، ندرك أن التفاصيل البسيطة في الحياة لم تكن في الحقيقة بسيطة، إنما تخفي خلفها ألغاز عميقة لم تسنح لنا فرصة مناسبة لتأمّلها وقت حدوثها، أو لعلّنا لم ننظر إليها حينئذ من منظور صحيح!
ومع إدراك مُتأخر كهذا قد نبدأ في خمش وعينا لاكتشاف بعض معانٍ لذكرياتنا القديمة. قد تكون هذه وسيلة للمتعة أو للتسليّة أو تكون طريقًا لكشف غموض عاش معنا طوال عمرنا، وذلك عند إعادة اكتشاف مدلولات لأحداث مررنا بها ذات يوم في الماضي. أما إن كُنّا سيئو الحظ فقد تحمل لنا دلالات من المُمكن أن تُدمّر حياتنا إن فهمنا المغزى الذي ظل خافيًا عنّا قبل قراءة قصص ترسم الواقع بشكل مختلف مثل هذه القصص.
استمتعت جدًا بقراءة المجموعة القصصية "الأشياء تُنادينا" وهي تحوي أربعة وسبعين 74 قصة قصيرة، يتراواح حجم الواحدة منها ما بين الصفحتين إلى أربع صفحات. تتباين جودة القصص الموجودة في الكتاب، فكما كانت هناك قصصًا رائعة كانت هناك أيضًا قصصًا غير مفهومة وأخرى متوسطة. لكن لُحسن الحظ فإن القصصة الرائعة فيها هي الأغلب.
لديّ قائمة طويلة للقصص المُلفتة التي أدهشتني؛ وهي مكونة من 26 قصة وسأكتبها مُرتّبة كما جاءت في الكتاب وليس حسب جودتها.
بتر غير مرئي – أوّل طبق مُشكّل – زوجان من الجوارب – ذراع أبي اليُمنى – الكتابة ضد الرغبة – آباء أصدقائي – الباب – الرجل الذي يبصق – ميول الطبقة الوسطى – تعاقب الأيام – الفراغات بين الأصابع – حين لا يحدث شيء – كل فرد عالم في ذاته – خورخي وماروخا – الأعرج الناقم – تدبير الرب – سيعرفون – قاتلة الشزلونج – حياة – مسألة إيحاء – حكاية حقيقية – الجزء الخلفي – هل حالتي مستعصية يا دكتور – كل شيء غريب جدًا – أخذوا إنريكي إلى السجن – موت بأثر رجعي.
ملحوظة: قصة ميول الطبقة الوسطى وبطلها بيثنتـي أولجـادو، يُمكن أن يُكتب عنهما مراجعة مُنفصلة بسبب جمال القصة الساحر وإتقان رسم شخصية البطل. وهذه القصة هي أفضل القصص في المجموعة على الإطلاق.
الترجمة وعلى الرغم من جهد أحمد عبد اللطيف للقصص، إلا أن هناك بعض المرات التي صَعُب عليّ فهم تركيب الجُملة وشعرت بأن الترجمة كانت عاجزة كي أفهم بعض المقاطع. ولا أنكر صعوبة ترجمة نص غرائبي وإنما قصدت ترجمة الكلمات ذاته وليس المعنى.
كتاب "الأشياء تُنادينا" للروائي والقاص الإسباني خوان خوسيه ميّاس، من إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لعام 2018 تحت إصدارات إبداعات عالمية.
الكتاب مُتوفّر إلكترونياً بصيغة بي دي إف على موقع المجلس الوطني بمبلغ زهيد هو دولار أمريكي واحد. على الرابط التالي -
****
تقييمي للكتاب 4 من 5
أحمد فؤاد
17 تشرين الثاني – نوفمبر 2020