(( فقط عندما تلتقط أنفاسك تعود من الموت إلى الحياة ))
ليس من السهل قراءة كتاب يقوم الكاتب فيه على تشريح ذكرياته وألم غربته فالذين كُتبت لهم النجاة من الدمار لا شك أهلكتهم الذاكرة..عبر سرد مطوّل ومليئ بالأسى ينقل زيبالد سيرة أربعة يهود فروا من بلدهم وانتقلوا للعيش في المهجر، مشرحاً في كل سيرة من هؤلاء الأشخاص مصائرهم و مشاعرهم النفسية المدمرة والأفكار في إبادة أنفسهم من أجل التخلص من ثقل الذاكرة المميتة..إنها ذاكرة مابعد الحرب..الحرب التي وإن لم يعيشونها إلا أن آثارها لاتزال حية وموجودة فحتى الكاتب وإن لم يعش أحداث الهولوكوست والعار النازي إلا أن رؤية الدمار وقراءة هذه المعاناة من زاوية قريبة وأشخاص عانوا ماعانوه من هذه المجزرة الفضيعة كفيل بأن يشعرك بالخوف والإلتفات إلى آلآم الآخرين..مع قراءة كل سيرة من حياة هؤلاء الأشخاص هناك تفاصيل لا يمكن تجاوزها من المخلية، مثل شخصية " آمبروز أدلفارت "، الشخصية المعذبة بذاكرته الفوتوغرافية التراجيدية والتي يسعى إلى إلغائها عبر صعقها بجلسات الكهرباء، و كأنه يريد إبادة ذاكرته بهذه الوسيلة..أما في شخصية " ماكس فربر " فنحن نقرأ عن حكاية رسام ألماني لاجئ، إذ يحتوي هذا الفصل عن خلاصة الألم والعلاقة المركبة مع الماضي حين يدرك الفنان بأنّ المعاناة لا حد لها، حتى و إن توقّفت أسباب الألم الفعلية.لم يكتفي زيبالد من خلال هذا السرد فقط، بل استخدم في كتابه صوراً بالأبيض والأسود من دون أية توضيح لمن هذه الصور، وكأنه يقول: ( ليس من الضروري معرفة هذه الصورة، إذ يكفي قراءتكم لهذي المأساة والتعرف بحقيقة ما جرى )...من الكتب المدمرة نفسياً والمرعبة بحق، الكتاب الذي لا أستطيع تجاوز أحداثه أبداً...