"ثمة أوقات، لا أعرف لماذا أدرك فيها أننا المهرّجون للقدرات اللامرئية. ممثلون مسرحيون يمثّلون كوميديا الحياة، وأدرك أن الوقت مناسب لكسر تعهداتنا وتمزيق الستائر والتبشير بالعناء واللعنة والقحط." - الثعبان والزنبقة لليوناني نيكوس كازانتزاكيس 🇬🇷
تعد هذه الرواية القصيرة أول ما نُشِر لغول الأدب اليوناني الذي أودعها بذور فلسفته التي ستغضب الكنيسة والقطاع المحافظ، حيث يرى كازنتزاكيس أن المسيحية (والأديان عموماً) قد حمّلت الإنسان ما لا يطيق، وجعلته في حالة مستمرة من الشعور بالذنب والخوف من الخطيئة، فصار غير قادر على الاستمتاع بملذات الحياة بشكل سوي، بل إن المُخَلِّص نفسه يُصَوّر دامياً، مُعَذّباً، حاملاً صليبه ومذكراً بطريق الآلام، فأين ذلك كله من بهجة الآلهة القديمة وقصصها الإيروسية ومحافلها الباخوسية وسحر مآثرها حيث تنزل الآلهة إلى الأرض ويصعد ابن الإنسان إلى السماء؟
فمن خلال قصة حب تحمل عناصر أوتوبيوغرافية، يستعرض كازنتزاكيس مراحل تطور العلاقة منذ فَجرها الأول حيث الحرية التامة والمجون المارق كلّية، عبوراً بظل الشك وإرهاصات الذّنب، وصولاً إلى هوّة الندم وفقدان الشغف والالتفاف حول الغريزة المفطورة سعياً وراء بشارات طوباوية لا تحمل في طياتها سوى الألم والبؤس. هنا، كل ما هو وثني أقرب إلى طبيعة الإنسان الباحثة دوماً عن إله يشبهها، يخطئ ويغضب ويعبث ويندم ويشعر بالوحدة تارة ويألف صحبة الرفاق تارة، تماماً كآلهة الإغريق والرومان.
تتبدى الرتوش الأولى لحساسية كازنتزاكيس الفنية في هذا العمل الذي يرسّخ للخلاص عن طريق صدق التعبير والاتساق مع الفطرة الإنسانية، والذي يستوعب في الوقت ذاته استحالة التخلص من سحابة الدين التي تحجب الضوء عن مواكب راقصات المعبد ومنشدي احتفالات أثينا وروما. نحن إذن أمام رواية بمثابة دعوة لاسترداد سحر العالم المفقود ومواجهة تزمت الدين بإدانة شطحاته. أترككم مع مقطع آخر:
"أنا بحّار غرقت سفينته، أشعر بالاندفاع زحفاً لعناقك، آه يا كمين الأرواح الغارقة في اضطراب سائل أمواجك!"
#Camel_bookreviews