كقارئة جزائرية لم يسبق لي وأن قرأت عن رحالة جزائري صبَّ ما رآه وعايشه خارج أسوار الجزائر في كتاب... غير أن نجم الدين سيدي عثمان فعل هذا مؤخرا، سحبني أنا المهووسة بالسفر إلى أدغال أدغال القارة السمراء..
بُهِرت بالكتاب انطلاقا من العنوان والغلاف بمجرد أن رأيت إعلان صدوره وكان لي الحظ في الحصول عليه أثناء معرض الكتاب قبل أن تنفذ النسخ ال 500 التي بيعت كلها خلال فترة المعرض، ربما كنت محظوظة شأني شأن كل متعطش للسفر ولو عن طريق كتاب..
بالرجوع للكتاب الذي يحمل " رحلات جزائري في ربوع إفريقيا" ستمر كقارئ على عدة محطات تخطف حواسك أحيانا، تعيدها أحيانا أخرى، وتقف مشدوها في أحيان كثيرة..
الكاتب ينطلق من السودان البلد الذي كنت بمجرد أن اسمع اسمه يأتي إلى بالي مصطلح " الطيبة" ... لم يخيب ظني الكاتب، بل أكّد على إحساسي، قربني بالمقابل من الوضع الاقتصادي للبلد ومن تبعات الأزمة التي كانت نتيجة الصراع السوداني السوداني بين الشمال والجنوب، ما أدى إلى انقسام السودان أخيرا والوصول بالنتيجة التي يعرفها كل جزائري " الجزائر أكبر بلد إفريقي
الفصل الثاني كانت الرحلة نحو غينيا الاستوائية، البلد الذي لم أكن أقرأ اسمه سوى على خريطة الجغرافيا، أو اسمعه حين أعرف أن هناك مبارة كرة قدم، في هذا الكتاب ساعدني الكاتب على الذهاب أبعد بكثير من مجرد خريطة واسم تعرفت على كويت إفريقيا كما اكتشفت أنهم يطلقون عليها، تعرفت على أصولهم وطرق عيشهم ولبسهم وعن المليونين ذوو الآباء الاسبانيين، عن الرئيس الجشع، عن عادات الشعب المقيتة، أحسست بالاستفراغ وأنا أتعرف على وجباتهم، قردة، تماسيح وخنافس مشوية... السفر إلى غينيا كان مرعبا، لم أتوقع أن يكون هذا البلد مليء بالعاهات التي ذكرها الكاتب..
بعد غينيا هناك مالاوي، جنوب افريقيا، بوركينافاسو، ليزوتو، مالي، تنزانيا، البنين، ليبيا.. في كل بلاد مغامرة لا تقل تشويقا عن مغامرات السندباد، عن الزواج وطقوسه، عن الصراعات الداخلية، عن الهجرة، عن العمل، عن طقوس الأكل واختلافه، عن السحر المرعب... وكان فصل جنوب إفريقيا من أجمل ما قرأت..
إفريقيا مجنونة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى...
العناوين الفرعية في كل فصل كانت أكثر تشويقا ربما من القصة نفسها، اذكر على سبيل المثال:
السودان يوم انفصل الجنوب وفقد الشمال ساقيه!
دخلت السودان بلدا وغادرته اثنان..
ليلة الهروب من دكتاتور غينيا..
نصف الشعب يتجسس على النصف الآخر
فئران مسلوقة ومشوية للأكل..
يستيقظون باكرا حتى لا يسبقهم أحد إلى الشقاء!
يلبسون الأغطية والبطانيات..
مرض النوم..
أرخص سيارات العالم، الكوكايين وحزب الله!
كانت هذه بعض العناوين التي تشد أي قارئ قبل أن يطلع حتى على محتواها، أعجبت أيضا بإرفاق الكاتب لصور مختلفة شاهدة عما كتبه.. كانت متنوعة ومفيدة في آن واحد..
الجميل في الكتاب أيضا أنه لم يقاصر على تصوير الجغرافيا أو السياسة بل مزج بين التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والفنون وأدخل الأسطورة الإفريقية التي لا تخلو من العجائب..
كنت سعيدة أن كانت قراءتي لهذا الشهر مع هذا الكتاب المتميز، تمنياتي أن أقرأ لتجارب جزائرية أخرى ينقلها لنا شباب مبدعون...