لقاء أول مع ميادة خليل؛ ولكنه ليس أولاً مع نخيل العراق، وحزنه، وحروبه، وحضارته، وويلاته. محاولة جيدة من ميادة في أن تقاطع خطين سرديين برابطة العاطفة الكامنة المبثوثة. دافيد المولع بالنساء والانتقال من واحدة إلى أخرى يجد نفسه الحقيقية مع سلمى، نفسه الجادة التي تودي به مؤخراً إلى الانتحار. فكرة النهاية كالمشجب الذي ترك فيه دافيد لوعته وروحه المتوثبة إلى سلمى، وحاجيات سلمى يلتقطها شخص آخر لا علاقة له بهذه الرزمة الدرامية؛ ولكنه يتأثر بها، ينتبه لنفسه، لروحه، للحب المخبو بين جنبيه، ومن ثم تبدأ آمنة في البحث عن متعلقات الماضي. إنها المقارنة، الولع بما للآخرين من أشياء لا نحوز عليها، من هنا يحدث السحر ليتخلى كلٌّ منا عن أشيائه التي تحف به، روحه، قرابته، وطنه، كل ما له صلة به؛ لكن هذا أشبه بطريق يبتدئ منا ولا ينتهي إلا إلينا، حين نبحث في أشيانئا ونفتش عن أبهى ما فيها للنظر إليها بطريقة مختلفة، وربما محايدة حتى نصنع لها قيمة نعادل بها تلك القيمة المبهجة لدى الآخرين، التي من الممكن ألا تحمل في نفوسهم قدراً كبيراً كالذي يحدث معنا.
فكرة هذه الرواية جيدة لمدى بعيد؛ وباعثة على أن تكون أعمق وأكثف، خاصةً في صفة الجمال المعدومة لآمنة ورغبة الرجال عنها، كان من الممكن أن تكون في ذلك فصولٌ متعددة، وحديث متعمق، كذلك في عدم استقرار دافيد، وحبه المجنون لسلمى، نحنُ كقراء لم نشعر بعلاقة قوية بسلمى، تلك الشخصية التي لا يقتصر دورها على صورة جميلة أو شبح ساهم إلى اللاشيء، كان من الممكن أن تجعلنا ميادة نقترب منها أكثر، حتى نرى فيها على الأقل شيئاً ذا بال من عشق دافيد، من محاولته الانتحار للحاق بها. أشياء شبيهة بهذا في الرواية كانت بحاجة في ظني إلى معالجة متمكنة أكثر؛ لكن هذا رغم ذلك يفضي بنا إلى أن نترقب من ميادة خليل العمل القادم.