مثيرٌ للشفقة بول أوستر، الحزن الكامن خلف نظراته الحادة يشي بهذا اليتم الذي شعر به منذ الصغر، قبل أن يشير إلى هذا حديثه الممتلئ بالوجع، ووصفه العميق لمشاعره المخضبة بالفقد، ذلك الفقد الذي ينبعث في حقيقته من المعنى العبثي للحضور. مثيرٌ للشفقة بول أوستر هو يعلم هذا؛ لأن أباه في النهاية لم يكن بمقدوره حسب ما تراءى لي أكثر من ذلك. لم يتجاوز الأب ذلك الحادث الأليم في بواكير حياته؛ لذا لم يكن الأب حياً منذ تلك اللحظة.
حديث بول عن الموت كان قريباً مني بدرجة كبيرة، قراءتي لكتابه في هذا الوقت كانت نوعاً من المشاركة في العزاء، الرثاء. أعترف أن هذه المذكرات اللعينة مستني لأمرين: الأول، أنني تقاطعت مع بول أثناء بحثه عن أبيه في بحثي أنا عن أبي رحمه الله، وعن يتمي الذي شبَّ معي، منذ الصغر، يتمي الذي أكبرهُ بثلاثة أشهر فقط. الثاني، أنني منذ شهرين ماضية في حالة عزاء لثلاث وفيات من الأقارب، أحدهما خالي. كنت حين أقرأ وصفه عن أغراض الميت أتذكر تلك التساؤلات والمخاوف التي طالما ألفيتها تئز في صدري تود أن تخرج، كان منها شيئاً يسيراً في " ظلمات " حين خشي أبان من أن يقرأ تاريخ الموتى من صفحات وجوههم الباهتة. أكتب الآن وأنا مؤمنٌ بأن بول أوستر ليس وحده مثيراً للشفقة؛ لكنه تجاوز هذا الأمر فيما بعد كما نفعل وسنفعل جميعنا.
هل من الممكن أن أصف الكتاب بأنه جميل وهو يئز ألماً. أجل أستطيع قول ذلك؛ لكنك لن تكون سعيداً على كل حالٍ حينما تفرغ منه على الأغلب.