ستونر.. حياة عادية، رواية غير عادية.
جون ستونر الإبن لأبوين مزارعين يرسلانه للجامعة في المدينة بعد طفولة شاقة في المزرعة ليدرس الزراعة ثم يعود، لكنه لا يدرس الزراعة ولا يعود، بل يحول مساره لدراسة الأدب الإنجليزي ويستقر في المدينة ويصير مدرسا في الجامعة، في تمرد يكاد يكون الأول والأخير في حياة ستونر..
حياته التي آثر فيها دوماً البعد عن المواجهات والمعارك، والتي يصلح مفتاحا لقراءتها موقفه من الحرب العالمية التي آثر عدم الانخراط فيها بخلاف رفيقيه في الجامعة، ليكون مصير أحدهما الموت في ميدان المعركة، بينما عاد الآخر مكللا بالانتصار الذي يمهد له سبل النجاح والترقي حتى يصل لرئاسة الجامعة، في حين يظل ستونر يراوح مكانه بين حياة زوجية باردة ليس له فيها كلمة حتى في طريقة تربية ابنته التي لا يتفق معها، وبين حياة عملية مستقرة حتى الركود.
المرة الوحيدة التي انكسر فيها روتين حياته كان حين دخل في علاقة عاطفية مع إحدى طالباته دون سعي منه، لتبث الروح في هذه الحياة الجامدة لوهلة، قبل أن تخرج من حياته وتبتعد دون أدنى مقاومة منه، ليعود للدوران في ساقيته باستسلامه المعتاد.
المعركة الوحيدة التي دخلها ستونر خسرها وظل يدفع الثمن ما بقي من حياته، عندما رفض إجازة رسالة ضعيفة لطالب دراسات عليا من ذوي الاحتياجات الخاصة لعدم اقتناعه بجدارتها، ليكتسب عداوة زميله ذي الاحتياجات الخاصة الذي اعتبرها معركة شخصية قبل أن يصير رئيسا للقسم ليدفع ستونر ثمن هذه العداوة توقفا لترقياته وجمودا وظيفيا حتى التقاعد.
تتجلى موهبة الكاتب في قدرته على حبك رواية شديدة التميز من قصة حياة شديدة العادية، في قدرته على صياغة شخصية ستونر كنموذج يمكن إسقاطه على ملايين البشر العاديين بحياتهم العادية، فهو بطل بلا بطولة ولا مقوماتها، إلا أن حياته رغم ذلك -كحياتنا- لا تعدم ما يستحق أن يروى متى وُجِدَ الراوي البارع الراغب في تخليدها.