قد تبدو رواية عن رسام مجنون يرتكب جريمة قتل، ويحدثنا عنها مباشرة دون مقدمات، لكنها فعلياً أعمق من ذلك. ليست تسلسلاً لأحداث الجريمة فقط، إنها عن الحالة الداخلية التي مرَّ بها الرسام الأرجنتيني الشهير خوان كاستل.
تلك المشاعر المتضاربة التي عاشها، وهوسه بتحليلات الأحداث والمبالغة في ردود أفعاله، فالغضب، ثم حزن، ثم أسى، ثم التذلل والإعتذار.. كانت تلك دوّامته التي حاصرته.
على الرغم من التشويق في الأحداث، لكن ما يجعل هذه الرواية مميزة ومجنونة لم يكن في الأحداث بحد ذاتها، بل بشخوص الرواية، كاستل و ماريا. كاستل المنعزل، المجنون -أو يجب أن أقول بأنه مريض وليس مجنون، لأن كل ما قصَّه لا يتعلق بالجنون، بل بالمرض الذي جعل منه مجرماً-.. إنه كائن مهووس كئيب ووحيد، وعلى الرغم من نجاحه كفنان، لكن الاشمئزاز والكره كان شعوره تجاه النقاد والجمهور، لأنهم ببساطة لم يفهموه بل قاموا فقط بسرد كتلة من الخزعبلات التافهة دون الإنتباه لجوهر أعماله، ولهذا كان وحيداً تماماً. ثم في لحظة قَرَفه هذه تُخلَق أمامه فتاة، الفتاة الوحيدة التي فهمته، إنها ماريا، الشابة المريبة ، والغامضة بطريقة مربكة حقاً، لم اَستطعْ أن أحبها ولكن ليس عندي سبب لكرهها أيضاً، تصرفاتها الغريبة وغير المفهومة.. إنّه الغموض في الشخصيات الذي خلق الإثارة بشكل جنوني في الرواية..اختار كاستل نهايةً أن يقتلها، وبالفعل قام بقتلها، وما أراهُ أنّ فِعْله كان مبرراً، إنه مريض -أو مجنون لايهم-، لكنه وحيد ولا ينتمي لهذا المكان، وماريا كانت ملجأه الوحيد، لكنها تخلت عنه وخدعته لأسباب اختلقَها كاستل بنفسه بعد تحليلاته المرعبة.
النفق، إنه النفق الذي نمشي فيه وحيدين، وكل ما نراه و نختلقه هو شيء زائل لا محال، لأنه أساساً لم يكن موجوداً معنا، فجدران النفق حالت بيننا و بين كل ما نريد.. وهذا النفق مظلم و حالك، وسيبقى هكذا دائماً.