أخيراً التقيتُ مع هذا المبدع الكئيب. ترجمة البلتاجي مقبولة، لا تسبب الصداع على الأقل مقارنة ببعض كتب الهيئة المصرية للكتاب، ومفهومة بالمجمل في هذا الجزء من أعماله.
لم أشعر أن " نوفيلا " صراع ناضجة فنياً بالنسبة للبقية، أكاد أجد فيها انفصاماً ما أو انشقاقاً في بنيتها الأساسية، المتاهة كانت بالتقريب هي المحور السردي الذي لولاه لما كان هناك صراعٌ، الرمزية كانت غائرة جداً ولم تكن ثمة دهشة حين عاد السرد لذينك المترافقين في الشارع تلك الليلة.
" في مستعمرة العقاب " كان كافكا ممسكاً بالقصة من جميع أطرافها، كان بديعاً في خلق تلك الحالة الغريبة التي مرت على شخوصها الأربعة. شعرتُ أن الضابط كان حياً في صفحات الكتاب، أبداً لم أكن أشعر بغير هذا، خاصةً وهو يلتفت ليرى انطباع الرحالة، ثم نظرته له مرة أخرى ليصف عمل الجهاز المريع، حتى في وقفاته بين الكلمات كان كافكا يخلقه بإخلاص لا يرسمه أو يصفه بدقة فقط.
يعود كافكا في " بلومفيلد العانس " لصراع الوحدة الذي بدا منه شيءٌ في " صراع " لكنها هنا يتحدث عن حادثة غريبة، كرتين من المطاط تؤنسا، أو تقتحما وحدة رجل عازب، يشي كافكا في هذه القصة بالعدد الزوجي، اثنين، في الكرتين، والرجلين الذين يعملان معه، كأنهما الكرتين في ملازمتهما لبعضهما وإصدارهما لضوضاء لا تنتهي، كالنهاية التي يتركها لفهم القارئ. كافكا ـ ربما ـ من الكتاب الذين يريدون أن يقترب القارئ منهم أكثر، إنهم يكتبون لأنفسهم أكثر مما يكتبون للقراء؛ لكنهم لا يرون في ذلك فارقاً كبيراً حين يفهم الناس أو القراء شيئاً مما يستبطنونه لا يعلمون عنه شيئاً.
أما التحول، فأحببتُ أن أفردها في صفحة الرواية نفسها، على أنها أضافت لتقييم هذا الجزء الكثير.