ممتازة
من أجمل ما قرأت
اشتراتها ورقي من معرض
ماذا كان رأي القرّاء برواية الوسية ( ثلاثية الوسية: الجزء الأول )؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
من حسن القدر أنى قبل أن أشرع فى قراءة كتاب الوسية كنت قد قرأت كتاب الخالددون لديل كارنيجى ، ثم أتبعته بهذا الكتاب الذى يسطر فيه الكاتب سيرته الذاتية ، كى يتضح لى أن ديل كارنيجى لو قابل هذا الرجل لجعله على رأس هؤلاء كلهم .
الدكتور" خليل حسن خليل " الذى أفسح لى المجال كى تتضح الرؤية أمامى كى أفسر ما يحدث الآن حسب ما عاناه وعاشه فى حياته من تعب وعنت ومشقة .
الكاتب يستعرض سيرته الذاتية ، ويستعرض الفترة التاريخية التى كان يعيشها المصرييون قبل ثورة يوليو من ظلم رجال الوسية لهم ، والتعدى عيهم بالإضافة إلى نهب حقوقهم والبخل عليهم مما هم يستحقونه .
كم عانى هذا الرجل فى حياته ، ما هذه العزيمة الجبارة ؟! ، ما هذا الإصرار الذى لا يضاهيه إصرار ؟! ، كان قوى العزيمة شديد الإصرار حدد له هدف ووصل إليه رغم ما لاقاه من تعب ومشقة ، ورغب ما قابله من صعوبات كان هو أقوى منها ، واستطاع بجده واجتهاده ومثابرته أن يزيح تلك العراقيل ويقول لها " أنا أقوى منك " .
حقاً كم أن الأرض غالية وعزيزة على أصحابها ، فكما يقولون " من يحب الأرض تحبه ، تكلمه ويكلمها ، ومن يدر عنها وجهه تمقته وتلعن هو وأهله وجدوده " لأن الأرض ليس بالشئ الهين . الكاتب مرَّ بهذه المعاناة عندما سلبت أرض أبيه وأخذها " الخواجة " وهو يشاهد هذا كله بعينيه ولا يستطيع أن يبوح بمكنون صدره ، وإلا لضج الكون بصوته الذى تمنى أن صرخ صرخة مدوية من أعماق قلبه أيقظ بها الكون حدباً على ضياع أرضه وأرض آبائه وأجداده .
لكن لم الذى خفف عنه بعض الشئ أنه فى تلك الآونة قد تفوق تفوقاً باهراً ، عندما ظهرت نتيجة المرحلة الإبتدائية وحاز على المركز الأول على مركزه ، ليدخل إلى المرحلة الثانوية التى كانت نصدر سعادته وشقائه فى ذات الوقت .
عندما ذهب هو وصاحبه إلى الثانوية ، فرح فى بادئ الأمر فالمدرسة توفر له وجبة غداء لم يكن يحلم بها وفى بيته فى القرية ، لكن سرعان ما بدأت تتلاشى هذه الفرحة ، فالمدرسة كلفته بدفع نصف المصاريف وليست كاملة لتفوقه ، لكن هيخات أنى له أن يدفع خمس جنيهات وأبوه وأمه وأخوته لا يجدون فى البيت الخبز الحاف ، وأما السبب الثانى أن المدرسة كانت تمنع وجبة الغداء يوم الخميس نظراً لخروج الطلاب مبكراً فى هذا اليوم ، أما هم الذين لا حول لهم حولا لهم ولا قوة فكانوا يظلون لمدة 72 لا يذوقون شيئاً انتظاراً فى يوم السبت لوجبة الغداء . ولم تكتمل فرحة الصبى ، ولم تشفع توسلاته أمام الناظر ، فطردوا من المدرسة والدموع تبلل جباههم.
وينطلق الصبى الصغير الذى لم يكن لينتظر ويجلس فى البيت ليضع يده على خده ، فذهب ليعمل مثل الرجال ، فعمل فى وسية الخواجة ، وف هذه البيئة بدأت الدنيا تتفتح أمامه ، وكأن القدر لا يريد ان يحرمه من التعليم ، فتعلم فى وسية الخواجة ما لم توفره له مدرسة الزقازيق الثانوية ، ومع الأيام تدرج فى سلك الوظائف ليصبح هذا الفتى ابن السادسة عشر مسئولاً عن كل صغيرة وكبيرة فى وسية الخواجة الأمر الذى جعله يكسب رضا الخواجة .
وفى هذه المرحلة إكتشف مفهوم عجز أساتذة الاقتصاد السياسى ان يأتوا بمثله وهو مصطلح الوسية ، ، فالعمل فى وسية الخواجة أثرى عقله بهذا المفهوم الذى استطاع من خلاله أن يحكم على سياسة الدولة الكبرى .
فوسية الخواجة وسية صغيرة الظلم فيها على قدر ما بها من مواطنين ، فالخواجة الذى هو رئيس الوسية ينهب الفلاحين ويمتص عرقهم ، وعندما يطلب أحد منهم بحقه يطرده شر طرده ، فهم مصرييون فمتى كان للمصرى الذليل حقٌ فى بلده ، هل جُنَّ جنونه كى يطلب هذا الشئ ؟! ، كيف طاوعه لسانه أن ينطق بذلك ! .
ثم استنبط من مفهوم الموسية مفهوم مجتمع الأحرار ، وهم الذين يسرقون اللصوص الذين يسرقونهم ، وكأن الأمر أصبح مبرراً لهم كى يسرقوا من يسرقهم ، فسموا أنفسهم أحراراً ومن لم يفعل مثلهم فهو عبد .
وظل مفهوم الوسية بالنسبة له مفهوم ضيقاً ، حتى ذهب إلى الجيش وأظهر فيه براعته وكفاءته وعين فيه أستاذاً لضباط الصف ، وحاول أن يعيد للجندى هيبته بعيداً عن خدمة الباشا والهانم والأولاد ، فقام بالتعاون مع بعض الضباط بتنظيم ندوة تسمى ندوة الروح المعنوية ، لكن الأمر ما لبس ان انتهى فمجتمع الأحرار لا يسمح لمجتمع العبيد ان يبث عبوديته بين أبناء الجيش .
ثم الأمر الذى وسع من مفهوم الوسية عنده ، من وسية الخواجة إلى وسية الجيش ، فالموقف الأول الذى أكد له أن الجيش أصبح وسية أن أحد العساكر القائمين على مخازن التعيين اتى له بملابس وبطاطين بدعوى ان الكبار يفعوا ذلك فلما لا يفعلوا مثلهم ، وأعاد الموقف إلى ذاكرته موقف " أبو حطب " الذى كان يرشيه هو والشيخ وسالم بأكلات الفسيخ والبطيخ والحلاوة الطحينية . أما الموقف الثانى فهو كبير الوسية " رئيس أركان حرب الجيش " الذى كانت الحمولات من الملابس والبطاطين والطعام بكل أنواعه تشحن فى سيارات إلى بيته بما فيها ملابس الأطفال .
وأنا أضيف نوع آخر للوسية وهى الوسية الفكرية التى يحتكر فيها أصحاب النفوذ الفكر ويبخلون به على باقى الأفراد ، فلا يكفيم أن نهبوا الأموال ، يريدون أيضا أن ينهبوا العقول ببث السم والكذب والتضليل فى العقول .
ثم تدرج الأمر بالكاتب فواصل دراسته أثناء الجيش والتحق بكلية الحقوق ، وهنا تكرر معه المشهد الذى تكرر فى الزقازيق ، فالجامعة رفضت أن تعطيه المنحة المجانية إلا إذا أتى لهم بشهادة فقر " شهادة فقر " ، كيف كان وقع هذه الكلمة على نفسه ؟ ، كيف استطاع أن يستسيغها ؟ ، الله أعلم بحالته وقتها ، الأمر أشبه بالضحك المبكى ، لا يكفيهم الفقر الذى يعم ربوع البلاد ونهب الثروات لتوضع فى فم أصحاب الوسايا ، بل يريدون أن يزثقوا هذا الفقر فى شهادات ، كى يجعلوها عاراً على كل فقير ، فيموت كل لحظة وهو حى تنبض الروح بين جانبيه .
لكن عزم الكاتب لم يخبُ ، ولم تقل إرادته فاجتاز هذه المرحلة بتفوق وتقدير " جيدجداً " ، يبدو أن الزمان بدأن يفرج أساريره ، ومما زاد من سعادته أن سمع وزير الدفاع بذلك فاحتفى به ووعده بوظيفة مرموق، لكن يبدو ان وزير الدفاع كان صادقاً معه ، فجاء التعيين فى المناصب الكبرى الأولاد الذوات ، أما هو فكان من نصيبه موظف بالدرجة السادسة بوزارة الدفاع المدنى حقاً " شكرا لوزير الدفاع على هديته العظيمة " .
يبدو أن الفقر كان ولا زال وسيظل عند الطبقة الأرستقراطية التى هاجمها الكاتب تنظر إلى الفقر على أنه حرام ، ويجب التخلص من هؤلاء الفقراء فهم عالة على المجتمع وعالة على أنفسهم ، الأمر الذى يعد كا وصفه الدكتور أحمد خالد توفيق " يوتوبيا " ، لكنها يوتوبيا بشكل قديم .
وتكللت جهود الكاتب بأن ذهب إلى لندن ليحصل على الدكتوراة فى القتصاد السياسى ، ليرجع إلى بلده ليعيش فترة جديدة من حياته بحلوها ومرها ، وإن كان مرها أكثر ، لكن الكاتب يستعرض ذلك فى روايته الثانية من الرباعية " السلطنة " .
متعة الرواية دى انها رواية واقعية كتبها صاحبها اللى عاش احداثها فعلا، رواية رسمت وصف تفصيلى لمصر اللى متغيرش لحد وقتنا هذا، واسم ممتاز للرواية يشد القارئ، ومنكرش برضه انها كانت ابداع فنى فى مسلسل الوسية فى بداية التسعينات.
السابق | 1 | التالي |