كتاب مثالى وإن كانت المثالية تعد من زائف المفردات فى العربية إذ لايوجد على أرضنا الرحيبة تلك فى عهدنا العجيب هذا ما يستحق ذاك الوصف ولكننا نستطيع بمنتهى الحيادية وكرفع عتب وصفة بأقرب ما يكون للمثالية لتنوعه فى طريقة الكتابة ..فقد حوى صنوفا وضروبا فى فن اللغة والحكى تجعل من الصعب على اى قارى ألا يجد لذته فى ثناياه فبه من التشويق كونه استقصائيا مغامرتيا من الطراز الأول وبه من الوثائقية والفلسفية والتأملية وبعضا من العاطفيه عاطفية من طراز يحازى طراز المحبين بغض النظر عن مجاوزتة له معنى وجوهر فهو ينتمى أكثر إلى العاطفية العملية والتى تُعْنى بطبائع الرجال والانسانية من شهامة ,رجولة ,حيادية ,فداء وبحثٍ عن الحقيقة وسبر لأغوارها وتفانى مطلق .
ولكن السؤال الذى يطرح نفسة على الطاولة عمدا" لماذا الأن يسرى فوده ؟ "لم تأخر صدور الكتاب الى هذا الوقت ؟" قد تعترينى بعض الظنون وكذا الأفكار والتبريرات إلا أننى أنأى بعقلى المتواضع جدا من أن يتهم بالحمق والسذاجة أو القسوة فى الحكم على ماهية وطبيعة الأشياء من حولى ولذا سأدع الرد للزمن والأهم هو ماحوى الكتاب بين ضفتيه ..رحلة نالت من اراضى الشرق مانالت ونالت من حقائق الغرب القبيحة مانالت .. فى طريقه للأذى يفرد يسرى فوده صفحات وصفحات للحكى بالتفصيل فى غير ملل بل بتشويق كاتب حاذق وبارع يجيد العزف على أوتار الفضول وحب المغامرة عند النفس البشرية فيعى جيدا متى يكمل بغزارة ومتى يوقف الغيث ومتى يتطرق إلى أحاديث أخرى ويؤرخ ويتوضح ويضرب الأمثلة ويضحد الحجج بالحجج ويستلهم ويتأمل ويسخر وينتقد ويصرح ويلمح ..وهو يعرف تماما كيف يبعث لك بالمعلومات بين طيات السطور .لغته قوية البيان فصحى فى أشد ماتكون عرى الفصحى الموثوقة ..وإن إعترى الكتاب بعضا من العامية عندما نأتى لذكر حوارات مرت بالكاتب ويريد أن ينقلها حرفيا ربما للمهنية والأمانة .
هذا الكتاب مرجع جيد لأى كان أراد أن يتعرف عن حركات الجهاد وأصوليتها وتطورها ومبادؤها وأهدافها المعلنة وغير المعلنه ..كما أنه يتطرق بشكل مبطن إلى تحليل موازى للحدث من خلال سرد قصص واقعية حدثت بالفعل أو حتى تم حكيها للكاتب ليفصل أسباب وبدايات أدت الى نهايات تعيسة فى أحايين كثيرة لدول وحكومات وأفراد و حتى حضارات بأكملها . لايفتأ بشكل غير مباشر- يدع لك رفاهية الحكم- يذكر هنا وهناك بعضا مما مر به فى طريقة الى الاذى من طريقة تعامل للانظمة العربية وحتى الغربية وكذا تناولها للموضوع وتحليلها وردود أفعالها فتستطيع أن تجيب عن أسئلة كثيرة أو حتى تستبين طلائع نتائج وخلفيات قمعية أو نفعية أو صفها بما شئت .
غلبت الحيادية بشكل مدهش يثير الإعجاب والإحترام ليسرى فوده مهنيا وشخصيا وإن كانت سخريته فى بعض مواضع مما مر به أو فى هوامشه التحليلة تبعث بداخلك نبضا لا يمكنك تجاهله يفرض ذاته بطريقة أو بأخرى تجعلك تشعر بصدق طرف عن الأخر أو ببلاهة طرف عن الأخر أو حتى بدناءة وحمق طرف عن الأخر .ولعل تجربته مع المخابرات السورية فى الجزء الثانى دليل يمكن الوثوق به هنا .وأيضا تجربته مع أمير قطر فى الجزء الأول وفى أولى صفحات الكتاب وكذلك تعامل الصحف المصرية الكبرى !! مع اقتناصة لفرصة للحوار مع مدبرى عملية 11 سبتمر دليلا آخر فيُعَد كمن دحرج الكرة لتسقط حرة حيث أصاب ولكن فى النهاية لاتستطيع أن تنعت يسرى فوده بغير الصدق فهذا ماكان ولم يكن منه إلا أن رواه كما حدث تفصيليا ولا عتب عليه .
الحقيقة المرة ..الساخرة حتى من الباحث عنها هى عنوان- إن صح لنا إختيار عنوانا بديلا- أو حتى لنقل الحقيقة المؤذية والتى رغم علمنا بها لانزال نغض عنها الطرف لنفغر فاها فى وجه أى تصريح غربى فيما يخص الإرهاب و الدعوات المزعومة بالحرب عليه وهى فى باطنها لتزكيتة وإتخاذه ذريعة لا اكثر .
وهامش حر "إن كنا نريد حقا محاربة الإرهاب فعلينا إذا ان نحارب ديكتاتوريتنا ..وغطرستنا ..وتبعيتنا ولنكن شجعانا مرة ف العمر واجهوا أنفسكم وحاسبوها ..ولينل كل مقصر عقابه من أول طبيب الولادة الذى يتقبل الفتى الرضيع مرورا بحيطان الشوارع ومتسكعوا الأزقة إلى حانوت الكفن فكلنا مسؤول بطريقة أو بأخرى عن هذا الخراب الذى حل بنا نحن من تركناهم يفعلوا ما فعلوه ونلنا نحن جزاء أيدينا "
هامش آخر :
طالما أحببت الكتب العنقودية أى تلك التى تجبرك على قراءة المزيد أو حتى توصى لك بغيرها وهنا كان كتاب "ضد كل الأعداء "لريتشارد كلارك بتوصية من الكاتب فى أول القائمة .