الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي
تأليف
أمل عبد الله برزنجي
(تأليف)
الصراع في اللغة مأخوذ من (صرع)، والتصارع هو التغالب والتجاذب بين شيئين، والتحديد الدقيق للصراع يحيل على أنه التدقيق الحركي المتصاعد الذي يعمل على تجميع العناصر الدرامية المتفرقة والمتباعدة، فإذا هي تتقارب وتتشابك وبعد ذلك تصطرع، ثم تبلغ الذروة في العنف، ثم تنحدر إلى الحل.
وأهميته تنبع من أنه يمثل العمود الفقري للبناء الدرامي، من هنا فإن للصراع أهمية بالغة في البناء الدرامي، وبدونه لا يتشكل التفكير الدرامي، الذي يغذي القصة أو الرواية لتؤديا دوريهما في تفسير الحياة من المنظور الفلسفي الخاص بالكاتب، والتعبير الدرامي قادر على تلخيص معظم القيم التعبيرية في الفنون اللغوية المختلفة، فلا ريب أن يعدّ من أعلى صور التعبير الأدبي.
من هنا يمكن القول بأن الصراع يعدّ عنصراً أساسياً في العمل الأدبي عامة والقصة على نحو خاص، إذ هو الدافع لإنشائها، كما أنه لم يزال يشكل نواة الإلتقاء والإحتكاك بين الأحياء، بين الإنسان وذاته، وبين الحضارات المختلفة، فهو العامل الأول في تفعيل تلك الحضارات وإنمائها ومن ثم نقلها.
وإلى هذا، فالصراع الحضاري يمثل عنصراً قوياً في القصة العربية عامة، بسبب تفسيره الشامل لدوافع التنازع بين الحضارة العربية الإسلامية وغيرها من الحضارات في شتى الجوانب التاريخية والسياسية والإجتماعية والعلمية، فإذا اضيفت للقصة العربية سماتها السعودية، من حيث نشأتها بالوعظ الإجتماعي.
حيث وجد الكاتب السعودي في عادات المجتمع وتقاليده (التي منها البالي والضار) جذوة تشكل فكره، وجد الباحث أمام صراع حضاري قوي، تحمله وترفده البيئة السعودية بمعطياتها في الدين والتاريخ والسياسة والإجتماع.
ضمن هذه المعطيات تأتي الدراسة حول الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي، حيث يتطرق الباحث إلى دراسة المؤثرات الحضارية في المملكة، حدودها في توجيه الأدب والفكر وأساليب الحياة، وذلك في سياق دراسة النماذج القصصية السعودية، حيث يبدو من الواضح بأن الأدب السعودي قد خضع كغيره من الآداب العربية والغربية - لعوامل ضخمة منوّعة، ومراحل إنتقالية نامية جعلته يقف على قدميه وينضج ثماره في نفوس كتابه.
وفي هذا الإطار بين الباحث في دراسته بأن لم يغب عن فن القصة السعودية إلقاء الضوء على الإحتكاك بين الذات العربية الإسلامية والآخر الحضاري، المتمثل في التعامل مع الفكر الحديث، وماديات الحضارة الغربية، وكافة نتائجها على الفرد والمجتمع، فيكشف الباحث في هذه الدراسة ومن خلال نماذج قصصية بأن الأديب السعودي أدرك ما يقع على عاتقه من مسؤولية للتوفيق بين معطيات الحضارة والأصول التراثية، والتاريخية للبلاد، والعمل من خلال الأدب ليواكب المجتمع التقدم المتسارع من حوله وأصبح العمل القصصي مزاحماً للشعر السعودي في رصد صراعات الذات الخارجية والداخلية، مع الحذر ومحاولة تحقيق التوازن بين القديم والجديد، فاتسعت بذلك إهتمامات الأديب السعودي، وتغيرت ملامح الحياة الإجتماعية من حوله، واكتنفتها القفزات الحضارية في مراحل متتالية دينياً وإجتماعياً وسياسياً، وارتقت في خضم ذلك الحياة النفسية والقدرات الداخلية للكاتب، وكذلك أهدافه، بل طبيعة عمله القصصي، فلم يعد مهماً لديه الثقل الحرفي للواقع وتصوير جوانبه فوتوغرافياً، كما ارتفعت همته للبحث عما يعادل إحتياجاته الجديدة وواقعه المتحضر.
لذا، فقد تمثلت مادة هذه الدراسة في عدد وفير من القصص السعودية التي عني كتابها بأساليب القص، وكانت مضامينها - في الوقت ذاته - ميداناً واسعاً لتصوير الصراع الحضاري، وتمثيل جوانبه في بنية درامية تجعل من تلك القصص نماذج مفعمة بألوان التأثر والتأثير الفني.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الباحث كان تعامله مع القصة أو الرواية من باب الإفتقاء والإختبار الدقيقين، بعد إستيعاب حصري وشامل لكل ما أتيح لديه من إبداعات تجسد هذا الصراع، وأما المنهج في هذه الدراسة، فهو المنهج التكاملي، الذي يفيد من عدة مناهج باقيها الفني والنفسي والتاريخي، مع الإستعانة بالأدوات اللازمة كالإستقراء والتحليل لدراسة الإتجاهات وعرضٍ لجلّ النماذج، بما تستدعيه من آليات منهجية تسعف في تحقيق الغاية الموضوعية والفنية من قراءتها ودراستها.