من يعرف المزيد تداهمه الشيخوخة قبل الأوان .
ايفان تورغينيف: المؤلفات المختارة - الجزء الثالث
نبذة عن الرواية
في العشية - الآباء والبنون رواية "الآباء والبنون" وضعها في ما بين عام 1860 وعام 1861 ونشرها في إحدى المجلات الروسية عام 1862. وهي تصوّر الصراع الفكري والاجتماعي بين الشباب والشيوخ، في الروسيا، عشيّة إعتاق الأقنان عام 1861، ذاهبةً إلى أن هذا الصراع شأنُهُ في ذلك كشأن الصراع بين المُثُل والأعراف، يجب أن يستمرّ من غير ما انقطاع. وتُعتبر رواية "الآباء والبنون" اليومَ أقوى آثار تورغنيف وأروعها.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 1985
- 501 صفحة
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
zinova
****
انهيت اول رواية اقرأها لايفان تورجنيف الاديب الروسي الشهير , بعنوان " في العشية" . سميت بهذا الاسم لان صاحبها كتبها عشية الغاء نظام القنانة في روسيا سنة 1958 . تدور الرواية عن يلينا واينساروف الذين جمعتهما قصة حب فريدة وغريبة . الفتاة روسية تنتمي الى عائلة من الطبقة المتوسطة , اما الفتى بلغاري وهب حياته لقضية تحرير وطنه من الاتراك انذاك , ومن عرفهما ببعضهما لم يكن الا بيرسينيف صديق هذا الوطني. ان القارئ وخاصة اذا لم تكن لديه فكرة مسبقة عن القصة , سيعتقد في البداية ان بيرسنيف وشوبين (النحات) هما بطلي القصة , فحتى ذكر البطل الفعلي جاء عرضا عندما سأل شوبين صديقه عن موعد تعريفه باينساروف (الذي حدثه بيرسينيف عنه كثيرا).وحتى البطلة ايلينا بنت العشرين ربيعا كانت قد ابدت اعجابا ببيرسينيف الذي لاحظه شوبين واخبر به صديقه وصرح له هو الاخر بعشقه لايلينا . وغريب امره هذا البيرسينيف فعلى الرغم من انه كان يبادل البطلة اعجابها (سيتحول الى حب لاحقا) , الا انه ضل يزكي اينساروف لها ويصوره لها كبطل ... وفي الحقيقة انها عندما قابلت هذا البلغاري اول مرة خاب املها , ولم تتفق الصورة التي كونتها عنه في مخيلتها _مما اخبرها أندريه عنه- مع الواقع.
تمحورت القصة حول مربع الحب هذا , فيعرفنا الكاتب بماضي وطباع كل منهم ليشبك خيوطهم مع بعضها في نص ادبي مميز . فتورجنيف للصراحة له اسلوبه الخاص , قد يتشارك مع اقرانه تولستوي ودوستويفسكي ببعض الامور لكن يبقى لكل منهم ميزته الخاصة . وحتى انهما قد اختلفا معه من حيث التوجه , فبالنسبة لهما كان تروجنيف اقرب الى الاسلوب الغربي اكثر منه الى الروسي . وواضح تأثر تورجنيف بالانجليز والالمان (درس بالمانيا) وحتى فرنسا بكتاباته خاصة "الاباء والبنون" عمله الاشهر (انهيت نصفها الاول) . و كان تورجنيف يؤمن بأن الفنان بصفة عامة والاديب بصفة خاصة , يجب ان يتميز بالواقعية (وهي المدرسة التي كان ممثلا لها) , وان مهمته لا ينبغي ان تتعدى نقل هذا الواقع وطر ح التساؤلات....فالفنان لا ينبغي ان يتحول مصلحا اجتماعيا في رأيه.
حسب رسالة من دوستويفسكي الى اخيه يبدوا انه كانت بينه وبين تورجنيف الارستقراطي خلافات شخصية:
" لست أدري إن كنت سأتخلص من أفكاري اليائسة .. إني أسعى لأكون مجنونًا، يومًا ما. إنهم لا يدفعون لي ما أستحق .. جعلوني اكتب بسرعة، لماذا، أنا الفقير أتقاضى مئة روبل فقط عن كل ملزمة، بينما يتقاضى تورغينيف وهو الغني الثري أربعمائة روبل ؟ جعلوني اكتب بسرعة من أجل المال فأفسدوا عملي .. إني لعلى يقين أن ما من أحد من الكُتاب الأحياء منهم والأموات يكتب، أو كتب في مثل هذه الظروف التي تضغط عليّٓ فترهقني. حتى تورغينيف يكاد يموت غيظًا مني .. إنه يحسدني .. ولكن: آه لو تعلم كم هو مؤلم أن تجبر على دفن فكرة ولدت في داخلك، فكرة تبعث فيك الحماس والحيوية، تستفزك لإخراجها من داخلك إلى العلن، لكنك مجبر على طمسها وإماتتها . . "
---------------
------------ طلب احد الصحفيين الروس مرة من الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف ان يعطيه تعريفا للادب الروسي, فاجاب حمزاتوف قائلا – انه أدب ( الاباء والبنون) و ( الجريمة والعقاب ) و ( الحرب والسلم ).
اباء وبنون , كما يوحي العنوان فصراع الاجيال هو التيمة الرئيسية بالقصة , هذا الموضوع الذي اثار جدلا واسعا بروسيا عندما صدرت الرواية سنة 1862 , واستنفارا كبيرا من فئة القراء الشباب الذين انتفضو ضد تورجنيف لانهم رأوه انحاز لجهة الاباء , وعارض افكارهم التقدمية . "... تبادرت الى ذهني لاول مرة فكرة الاباء والبنون , هذه القصة التي انتهى بسسبها -والى الابد كما يبدو- ميل جيل الشباب الروسي الي وحسن موقفهم مني..... ويقولون لي انهم (( يحرقون صوري الفوتوغرافية وسط قهقهة الاحتقار ))..." : تورجينيف
بازاروف النهلستي ( =عدمي) هو بطل القصة , انه يرفض كل شيء لا يؤمن بالتقاليد والمبادئ , لا يؤمن حتى بالاله , يعتبر الفن والادب مضيعة للوقت "الكيميائي اكثر فائدة ( بعشرين مرة) من اي شاعر" , لم يسلم من سخريته((بوشكين)) شاعر روسيا الاعظم , ولا حتى الفنان العملاق ((رافائيل)) ... بعدما تخرج الاخير من الجامعة رافق صديقه اركادي كيرسانوف الى ضيعتهم ليقيم معه لبعض الوقت . هناك يتعرف البطل بالوالد نيكولاي بيتروفيتش كيرسانوف الطيب القلب , والعم بافل كيرسانوف العسكري المتقاعد الغامض والحاد الطباع بعض االشيء , كليهما من صلب الجنرال العظيم كيرسانوف . فالاول كان جبانا انطوائيا لم يتلحق بالخدمة العسكرية بسبب اصابة تعرض لها في قدمه , اذا رافقته حتى الكبر فلايزال يعرج قليل ... والثاني كان وسيم الطلعة , ناجح اجتماعيا ومهنيا فقد حقق رتبة رائد بالجيش , لكنه تخلى عن ذلك كله لاجل اميرة وقع في غرامها , والتي تخلت عنه لتموت في اخر المطاف . وكما هي العادة فالكاتب يعرفنا بكل شخصية , بطباعها , وماضيها ليكون بناء مستقبلها متناسقا , منطقيا لدى القارئ ...
ان النقااشات الحادة التي ستدور بين بازاروف واركادي من جهة وبين بافل وينيكولاي من جهة اخرى هي ما ستجسد هذا الصراع الابدي بين الاجيال , وفي الحقيقة فقد اكتسى حوارهم على الرغم من حدته بنبرة كوميدية ستتسرب الى الربع الاول من القصة باكمله ... فبعد هذا الصراع سينتقل الصديقين الى المدينة للترفيه عن انفسهم بعيدا عن العجوزين كيرسانوف كما كان يسميهم النهلستي ... وهكذا يستمر اركادي وبازاروف في الترحال والتعرف بشخصيات جديدة , فتخمد الفكاهة وتحل محلها نبرة جدية , حيث سيعرف بازاروف تغيرات عديدة على مستوى الشخصية جعلته في حيرة من امره هو العدمي اللا مبالي .
ذكرني تعامل تورجينيف مع بطله بتعامل فولتير مع كانديد , فكلاهما يعرضان بطليهما لمواقف تجعلهم يعيدون النظر او يشككون في معتقداتهم , الا ان كانديد بطل هزلي والرواية ساخرة بالدرجة الاولى , لكن في حالة بازاروف فقد كان وقع هذه المواقف ثقيلا وقاسيا عليه . فبعدما سخر هذا الاخير من عاطفة الحب وهزء من قصة بافل كيرسانوف عندما اخبره بها كيرسانوف ... يقع هو الاخر في حب سيدة ارملة التقو بها عند سفرهم الى المدينة عند احد اقرباء عائلة كيرسانوف . ولسخرية القدر فالبطل هو من اعلن عن حبه - السيدة دونيستوفا هي من استدرجته الى ذلك- لتكون اجابة الطرف الاخر "لقد اسأت فهمي" .
وبعد هذا الحادث ستتحول اجواء القصة المرحة الى اجواء كئيبة ... فبعدها توجه الصديقين الى منزل عائلة بازاروف , فوالده كان طبيبا في الجيش وقد خدم سابقا في فرقة الجد كيرسانوف (الجنرال العظيم) ,ووالدته امرأة حنون مرهفة تحب ابنها حبا جما (وكذلك الامر بالنسبة للوالد ) , وعلى عكس ال كيرسانوف الارستقراطيين كان ال بازاروف فقراء . ولم تكد تنقضي 3 ايام حتى قرر بازاروف ترك عائلته , الخبر الذي نزل كالصاعقة على والديه ف ثلاثة ايام بعد غياب تلاث سنين ... كما قال بازاروف الاب لا مر صعب , لكن وعود الابن بالعودة فيما لا يقل عن شهر خففت ولو قليلا من وجعهم . بعدما حددا الصدقين وجهتهم نحو عائلة كيرسانوف , غرق النهلستي في تجاربه الطبية (كان طبيبا) ولم يعد يجادل العجوزين كثيرا وخاصة بافل الذي كان يريد الانقضاض عليه في كل لحظة ليرد ولو بعضا من كرامته التي اهينت في السابق ... توطدت العلاقة بين بازاروف وفينيتشكا , ودعوني اعرفكم بها . فينيتشكا هي ابنت خادمة لدى نيكولاي بيتروفيتش كان قد وقع في حبها بعد وفاة والدتها وانجب منها طفلا بشكل غير شرعي فهو لم يتزوجها , ويقال ان تورجينيف نفسه كانت له عشيقة (فلاحة) وانجب منها ابنتا غير شرعية فلم يتزوج ابدا .
كانت فينيتشكا خجولة حتى من نيكولاي نفسه , وكان بافل بيتروفتش يرهبها وتشعر كانه يراقبها ... وذات مرة شاهد بازاروف يقبلها ( لم يكن لها يد في ذلك) فدعى العسكري المتقاعد البطل الى مبارزة دون ان يخبره بالسبب الحقيقي , فكل ما ما قاله انهما يكرهان بعضهما البعض , لكن العدمي فطن السبب الحقيقي .... والمبارزة هي نفس التي كانت تقام بين رعاة البقر , اي بالمسدسات .... ولا تنتهي الا بموت احد الطرفين , لكن لم يمت اي منهما .
اما النهاية فالافضل ان تستكشفوها بانفسكم .....
هل انحاز تورجينيف لفئة الشباب ؟؟ هل اهان جيل الشباب الروس النذاك ؟؟
في رايي ان تورجينيف كان محايدا , واظهر عيوب كل من الفئتين , والتزام برسالته الا وهي تصوير الواقع كما هو ... ولا يستحق كل هذا التحقير الذي تعرض له وخاصة من التقدميين الشباب , فمن الواضح ان تورجينيف كان يوافق افكارهم التقدمية , بل انه نفسه قد قال بانه يشارك بطله بازاروف كل افكاره الا تلك الخاصة برأيه عن الفن والادب ... حتى ان احدى السيدات اخبرته انه هو نفس نهلستي . وبعد كل شيء تبقى الرواية من اروع ما انتجه لنا الادب الروسي .
-
عمــــــــران
سأكتفي هنا بالتعليق على " الأباء والبنون " فقط , بحيث ان هذا المجلد يحتوي على رواية العشية ايضا .
بأختصار رواية الاباء والبنون من اروع الروايات التي قرأتها على الاطلاق , فهي تحاكي الافكار والمشاعر بين الأباء وابنأهم , والاختلاف وعدم التوافق في كثير من الاحيان ....
ولا يسعني الا ان اقول كلام الشاعر الداغستاني عندما سئل عن الأدب الروسي فقال: انه أدب "الجريمة والعقاب" والحرب والسلم" والأباء والبنون" .
وعليه , فأنني انصح كل محب للروايات والقرأة الاطلاع على هذه الرائعة . وذلك لما تحتويه من افكار فلسفية واخلاقية كبيرة ....