رواية " عطارد " أو كابوسية " عطارد " من الأعمال القليلة التي اضطرت إلى انهاؤها ف وقت طويل رغم صغر حجمها بالنسبة لي ، لا يعود ذلك الأمر بسبب صعوبتها ولكن بسبب الطابع المخيف المسيطر ع أحداثها .
الرواية تبدو للوهلة الأولى انسيابية وتظن ف مخيلتك انك بقادر على الوصول إلى صفحتها الأخيرة في فترة لا تتجاوز اليومين ولكنك مخطيء بالتأكيد عزيزي القاريء لأن هذا الفخ وقعت فيه قبلك ولم يحذرني منه أحد .
بعد انتهائي من الفصل الأول الطويل الذي جاء معنوناً بـ2025 ، تبادر إلى ذهني أن هذا العمل من الأعمال التي يمكن إطلاق اسم " المستقبليات " عليها حيث تدور الأحداث في عام 2025 وتبدو مصر محتلة حيث قسمها الشرقي تحت سيطرة فرسان مالطا بينما قسمها الغربي ف وادِ آخر بمفرده لا يجذب انتباه احد ، وما بين هذا وذلك تظهر وحشية ودموية الأحداث وما أكثر ما يخيف هو أن تلك الأمور ليست ببعيدة عن مصيرنا ف المستقبل بالفعل !
بعد ذلك يعود بنا الكاتب إلى عام 2011 ف فصل آخر حيث أحداث الثورة ولكن من منظور مختلف وجديد عن باقي الأعمال الأدبية التي أصبحت تجد ملاذها بسهولة ف أيقونة الثورة .
محمد ربيع تطرق إلى الثورة من خلال زاوية زهرة التي فقدت والدها واضطر استاذها إنسال إلى الاعتناء بها وتحمل مشقة البحث عن جثة أبيها كل يوم وسط اجهاض زوجته لطفله الأول .
ولم يكتفِ ربيع بذلك فقط ولكنه واجهنا بمدى فظاعة الموقف من خلال زاوية رجل الكلاب الذي يظل طيلة اليوم يدور بكلابه من أجل رفع الجثث ، ورجل الزبالة الذي يتخذ من أكوام القمامة مأوى له ومعه فتاتين وجد فيهما وسيلة لإشباع رغباته الجنسية وسط الذباب ورائحة الزبالة الشنيعة ورائحة الخوف !
بعد انتهاء هذا الفصل وجدت صفحة فارغة وانتظرت أمامها فترة من الوقت أفكر ماذا سأجد مرة أخرى بعد ذلك ، بل وخشيت من تقليب الصفحة حتى لا أجد ما يزعجني مجدداً .
ولكن محمد ربيع عاد ليفاجأنا من خلال فصل بعنوان " صخر الخزرجي " ، للوهلة الأولى ستبدي تعجبك قليلاً عزيزي القاريء من المغزى وراء إقحام تلك الشخصية وسط أحداث ليست لها علاقة من قريب أو من بعيد بها ولكن بعد الانتهاء من قراءة الفصل ستجد نفسك ممسكاً بالخيط الرابط " الجحيم " .
ف الفصل التالي نجد أنفسنا عدنا مرة أخرى إلى عام 2011 حيث إصابة الطفلة زهرة بمرض غريب فقدت من خلاله ملامحها بشكل تدريجي وكامل مخيف ، ولم يقتصر البؤس ع ذلك فقط بل نجد مشهد اغتصاب الفتاة الأولى الكبرى المرافقة لرجل الزبالة وعلى مرأى من الطفلة الصغرى ومسمع من رجل الزبالة دون أن يستطيع عم أي شيء إلى أن يأتي رجل الكلاب ويرى مشهد قتل رجل الزبالة لنفسه ووفاة الطفلة الصغرى من الخوف وإصابة الكبرى ف مختلف أنحاء جسمها .
ويأتي آخر فصل ليضع حداً لهذه الكابوسية حيث نجد أنفسنا أمام الجحيم المتواصل ف عام 2025 والذي لخصته الطفلة زهرة ف حواره مع عطارد بقولها :
( يظن الناس أن الجحيم مكان، لكنهم مخطئون، نحن في زمانٍ طويل متصل، مضى منه الكثير ولم يتبق إلا القليل جدًا، القليل لدرجة أنني سأراه وستراه ينتهي، وبعد ذلك سيبدأ جحيم آخر ليعذب الناس فيه، هؤلاء الخالدون هنا لن يخرجوا أبدًا، هؤلاء لن تقتلهم أنت ولن يحترقوا بالنار ولن يموتوا غرقًا، لن يخرجوا من جحيمنا هذا إلا إلى جحيمٍ آخر )
أكثر ما حيرني بعد النهاية هو التقييم ، غالباً أثناء القراءة أجد نفسي بشكل تقائي أحدد التقييم حتى قبل وصولي إلى النهاية بكثير ولكن ف " عطارد " وجدت نفسي متذبذبة ف التقييم أكثر من مرة وحتى ف قراري النهائي لم أكن واثقة من هذا .
ثلاث نجوم ، لماذا ؟
ف البداية يجب أن أن أشير إلى قراءتي السابقة لرواية " كوكب عنبر " لنفس الكاتب وشتان الفارق بينها وبين عملنا هذا ، الفارق يظهر جلياً ف البناء والتماسك والشخصيات ورسم الأحداث واللغة والرموز وخلاف ذلك .
ربما ما أرهقني هو غموض المعنى أو المغزى من هذا العمل حيث لم يظهر إلا متأخرا بل وأظن أنني لم أصل إليه بشكل كامل ومن ثم سيكون حاجة إلى قراءة العمل أكثر من مرة لتفكيكه بشكل أكبر .
كما أزعجني قليلاً بعض الإطالة خاصة ف الوصف ، قد يكون الكاتب يرى أن لذلك فائدة ولكن اعترف أنني فشلت ف التوصل إلى ميزة ذلك ، قد يكون الخطأ من عندي .
ف المجمل نحن أمام عمل قد يعيد إلى أذهاننا رواية 1984 ولكن هذه المرة بالنكهة المصرية ومؤثراتها الكابوسية !
نصيحة : لا تقع ف نفس خطأي عزيزي القاريء وتجنب قراءة هذه الرواية أثناء حالات الاكتئاب .