بالعودة إلى المتنورين من الأساقفة وعلماء اللاهوت، سيكون من أطيب الأمور لو أنهم بذلوا جهدا أكثر قليلا في الكفاح ضد الهراء المضاد للعلم الذي يستنكرونه. هناك عدد بالغ الكثرة من الوعاظ، الذين يوافقون على أن التطور حقيقي وأن آدم وحواء لم يوجدا قط، ولكنهم مع ذلك يرتقون المنبر في سعادة ويذكرون في مواعظهم بعض أمر أخلاقي أو لاهوتي عن آدم وحواء من غير أن يذكروا ولا لمرة واحدة أنه لا ريب أن آدم وحواء لم يوجدا قط بالفعل! وإذا ووجهوا بتحدٍّ، فإنهم سيحتجون بأنهم إنما يقصدون معنى "رمزياً" على نحو خالص، ربما شيئاً يتعلق "بالخطيئة الأصلية"، أو فضائل البراءة. وربما يضيفون في تهافت أن من الواضح أنه لا يوجد أحد يبلغ به الغباء أن يأخذ كلماتهم بمعناها الحرفي. ولكن هل يعرف أفراد أبرشيتهم ذلك؟ كيف يُفترض لشخص يجلس على مقعد الكنيسة أو فوق سجادة الصلاة أن يعرف أي جزء من الكتاب المقدس عليه أن يأخذه حرفياً، وأي جزء يأخذه رمزياً؟ هل من السهل حقاً أن يخمن ذلك مرتاد الكنيسة غير المثقف؟ سنجد في حالات بالغة الكثرة أن الإجابة هي بوضوح لا، وأي فرد يمكن أن يغتفر له عندها شعوره بالبلبلة.
أعظم استعراض فوق الأرض؛ أدلة التطور - الجزء الأول
نبذة عن الكتاب
يدور هذا الكتاب حول تطور الكائنات الحية, وقد كتبه ريتشارد دوكنز, أحد كبار علماء البيولوجيا في إنجلترا. وبالإضافة إلى أنه عالم حيوان مرموق, فإنه أيضا قد اشتهر بكتاباته في الثقافة العلمية الموجهة لغير المتخصصين, حتى أنه خُصص له كرسي أستاذية في جامعة أوكسفورد للفهم الجماهيري للعلم, ظل يشغله حتى وصل إلى سن التقاعد في 2008. يركز دوكنز في كتاباته على أن التطور لم يعد بعد مجرد فرض أو نظرية, بل قد أصبح الآن حقيقة علمية ثبتت نهائيا بالدراسات البيولوجية والجيولوجية والإحصائية, ثم أخيرا بأبحاث البيولوجيا الجزيئية التي تدرس الكائنات الحية على مستوى الجزيئات الكيميائية المكونة لها, وأثبتت هذه الأبحاث كلها حقيقة التطور, وصحة الانتخاب الطبيعي "ميكانزم" للتطوراقتباسات من كتاب أعظم استعراض فوق الأرض؛ أدلة التطور - الجزء الأول
مشاركة من المغربية
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
محمد أحمد الشواف
بعيدًا عن النبرة المُتسلّطة لدوكنز، ورغبته الزائدة عن الحد في اعتراف الجميع بالتطور، إلا أن تفويت كتاب مُبسّط عن التطور مثل هذا الكتاب خسارة كبيرة، فليس فقط الطريقة البديعة التي يمارس بها التطور سلطانه هي محفّز قوي للقراءة عنه، لكن أيضًا هناك كم مدهش من المعلومات التي تم إهمالها بجُرم أنها معلومات تطورية.
أيضًا كون هذا الكتاب هو المدخل الأول الحقيقي لي في هذا العلم، فقد بدأته متحفّزًا بأسئلة ظننت أنها مُعجزة ، لكن مع الوقت أدركت أن مثل هذه الأسئلة ليست مُعجزة كما ظننت وإنما هي نتاج جهل وعدم معرفة لا أكثر، وفي المقابل تظهر أسئلة أخرى أكثر نضجًا لن يجبّها سوى معرفة جديدة بالطبع، وهكذا فإن التنطع والمكابرة أحيانًا الذين يقابلهما التطور يكون في الغالب من جهل وقلة معرفة مدعومًا طبعًا بالنعرات العقائدية الجاهزة دومًا بغض النظر عن أي معرفة مطلوبة. فمثلًا سؤال مثل "إن كنّا قد تطورنا من الشامبانزي، فلماذا إذن لازال هناك شامبانزي لم يتطور؟".. أعتقد بعد قراءة هذا الكتاب يجب أن أقلق على كل أسئلتي التي أظن أنها مُعجزة!
إذن لماذا التطور مُدهش؟ التطوّر ملموس في كل شيء وأعتقد أن التطور البيولوجي هو أحد صوره، هذه فكرة راسخة طبعًا لا تحتاج نقاش؛ فكرة اتجاهنا نحو التطور أو أن عجلاتها ستفرم من يعارضون قانونها. لكن صور ممارستها أيضًا يجعـ... مثلًا هناك الحشرات التي تنتخب أزهارًا معينة فقط لأن لونها أو رحيقها متوافق مع مزاجها، هي بذلك تعمل على تدجين الأزهار باختيار تفضيلات معينة، يقول دوكينز أن الأزهار التي نستمتع بجمالها ورائحتها الآن هي في الأصل نتاج انتخاب الحشرات لها، ومن حسن حظّنا أننا والحشرات نتشارك نفس المزاج الجمالي! هذه العملية لا تختلف كثيرًا عن التدجين الاصطناعي الذي يقوم به البشر للأبقار والكلاب لتكون أكثر ملائمة لحاجاتنا اليومية والترفيهية.. هذه من أكثر الصور البديعة في العلم والبيولوجيا، بإمكانها أن تفسر سبب شغفي بالعلم، في الحقيقة أنا أبحث عن مثل هذه الأشياء المدهشة، والعلم حقًا حقًا مدهش بما فيه الكفاية.
المثال أعلاه هو مثال عمّا يُسمّى بالتطور المتشارك، وهو يتم بالتشارك بين نوعين مختلفتين في علاقة نفعية متبادلة، فالحشرات تقدم وسيلة "مواصلات" ليست مجانية لنقل حبوب اللقاح، وفي المقابل فالأزهار تقدم الرحيق المطلوب لنقل هذه "البضاعة"، ليس هذا فحسب، ولكن هناك "عقلانية" في إدارة هذه العملية ربما نحن البشر لن ننتبه إليها بسهولة؛ وهي أن الأزهار تقدم كمية محسوبة فقط (ليس وجبة كاملة من الرحيق)، فبهذه الطريقة تضمن ألا تشبع الحشرات فتبحث عن زهورٍ أخرى، وبذلك تضمن وصول حبوب اللقاح لمستحقّيها!.. كل هذه الدقّة.
وهناك أيضًا التطور بالانتخاب الجنسي وهو الذي يتم عن طريق انتقاء الإناث (غالبًا الإناث) لذكور لهم مواصفات السوبر ذكر، وبذلك فهي تقوم بانتقاء الفرع القوي، أما ما دون المواصفات، فإن عجلة التطور كفيلة به!
(مثالين عن هذا النوع من الانتخاب.. واضح إني مهتم بالموضوع من فترة!..:
****
****
أما الانتخاب الطبيعي، فهو يتم بين الفريسة والمفترس، مثلًا؛ هناك نوع من الأسماك القابعة في قاع البحار المظلمة، تصطاد فريستها عن طريق إنارة بيولوجية مُعلّقة فوق رأسها، ونوع من الطعم تظهره لفريستها، بالطبع الفريسة تنجذب للمفترس الذي لديه أدواته الأقوى فبالتالي –وبلا وعي- تنجذب نحوه، لتكون هي السبب المباشر لبقاء هذا النوع الأقوى، أي أن الفريسة بشكلٍ ما تنتخب المفترس!
الانتخاب هو آلية التطور.. والكتاب فيه تجارب ثرية ومدهشة عن "التطور أمام أعيننا" بحيث أننا لسنا بحاجة لملايين السنين لإجراء تجربة عملية للتأكد من التطور، هناك مثلًا السمك الذي أظهر تكوينات لونية على قشرته الخارجية بمجرد انتقاله لبيئة تختلف في تكوين قاعها عن تكوين بيئتها الأصلية لتتجنب أعين المفترسين، تمامًا مثل السحالي التي لها لون جلد مشابه للون بيئتها بشكل عجيب.. هذه مثلًا إحدى صور الانتخاب، فالسحالي التي لم تستطع أن تخفي نفسها عن أعين المفترسين بجلدها ذو اللون المبهر الفاضح، كان مصيرها أن كانت وليمة لمفترسيها وانتهى أمرها، ومن استطاع أن ينجو هو فقط الذي تمكن من المراوغة بلون جلده المُخادع، وهكذا وعلى مر آلاف السنين، تنفصل السحالي التي لها لون جلد فاضح في جانب المفترس، في حين تتزاوج السحالي التي لها جلد مٌموّه لتنجب المزيد ممن لهم قدرات متطورة على التموه، لتكون النتيجة ما نراه الآن من تطابق عجيب بين لون جلدها ولون بيئتها..
****
في التجربة التي تم فيها فصل السمك عن بيئتة الأصلية (مع توفير مفترس مناسب له) أنتج هذا السمك نفس التكوينات والبقع على جلده بما يُشابه لون وحجم الحصى المستقر في قاع البحيرة الجديدة تمامًا عليه، وأصبح فيما بعد مختلفًا عن أقرانه في بيئته القديمة، فكلٌ أصبح مُتكيّفًا مع الظروف التي وُجد فيها.
في الختام، هذا الفيديو يجمع بين قريبين بعيدين بينهما حميمية مؤثرة. :)
****