اقتباسات من رواية ثلاثية الأندلس: قصص إنسانية في خضم الصراع بين الحضارات

أما العلماء والفقهاء فقد انشغلوا بمناقشات جانبية ، عوض الاهتمام إصلاح الأحوال ومقاومة احتلال النصارى للثغور. من ذلك اهتمامهم بظاهرة التدخين هل هو حلال أم حرام. ذلك لأن الظاهرة انتشرت وعمّت بين مختلف الطبقات ، غير أن الحظ الأوفر كان للرعاع وسفلة الناس يتعاطونه في مجالس اللهو والقيان ، فزاد من ذلك تنفير أهل الورع ، وغدوا يرون فيه بدعة تجب محاربتها.

إلا أن أحوال البلاد تغيرت، وأخذت السلطنة في التأخر والتفكك سنة بعد أخرى ، لذا تجرأ عليها كل مدع أو منحرف ، فهذا اتخذ الموعظة الحسنة لقضاء أمور سيئة ، وآخر شهر سيف البدع ليقتطع لنفسه إمارة أو ولاية يستثمر خراجها لنفسه.

إن خسارة الكتب كارثة لم أتحملها إلا بالصبر الجميل والاحتساب إلى الله.

إنها حركة تمرد وعصيان بدأت بغليان الأرياف البعيدة فاستغلها الأدعياء والطامعون لافتكاك السلطة ، متسترين بفكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كلما شكوت له أفعالهم وأذاهم للمسلمين ... كان يردد : إن الخير والشر في كل مكان وفي كل ملّة.

كان عليه أن يقول في أهل كل ملّة ، لأن الأديان لا تنبني إلا على مقصد الخير ، وما يفسدها إلا معتنقوها ومفسروها ، بحسب ما يعنّ لهم من مقاصد وأغراض.

وفي كتاب اخر حكمة ذكرها لي الأكيحل ، رحمه الله ، تدل على يوم القيامة كأنه برهان عقلي ، وهي هذه : (( إن مات الظالمون من غير حكم وعاش الصالحون من دون أجر فذلك دليل على يوم القيامة ، لأن الله حاكم عادل ولا يظلم في حكمه أحد ))

في النهاية لا مكان في عصرنا للأفكار الفنيّة أو العلميّة ، وليس سوى اللاهوت.

وأنا علمت من صاحب لي يسافر إلى فرنسا بأن جراحاً وباحثاً في جسم الإنسان يُدعى أندري فيزال جرّمته محاكم الكنيسة من أجل بحوثه ، وألزمته التكفير بالحج إلى بيت المقدس ، والنتيجة أنّه بعد عودته انزوى في ركن بيته ولم يعد يهتم بأمور العلم ، وهكذا خسر العلم موهبة فذّة.

الكل تحت المنظار الديني ، ولن يتغير شيء في عصرنا هذا على الأقل، انظروا ما حدث لغاليليو من مضايقات رجال الدين حتى أعلم توبته عن أفكاره ، وأنكر ما استفاد من تعاليم كوبرنيك عن نظام الكون وحركة الكواكب.

انهزمت أمتنا من الداخل قبل أن يهزمها العدو ، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى ، هاجوا من وطأة العسف فقط ، زلم يكونوا مهيئين لإعادة تكوين الأمة من جديد

وهل خاف الإسبان حقاً من عودة المُلك للمسلمين....وماذا أبقوا فيهم حتى يخافوهم؟

إذ علمني أهلي أن السلامة ، كل السلامة ، في صون اللسان ، والحذر من كل إنسان.

تبعث السماء من حين إلى حين رجالا صلحاء طيبين لتخفيف البؤس عن اليائسين ، وما يمارسه الظلّام من عباده على بعض عباده الآخرين ، ولا تدري أحياناً من أيّة طائفة يأتون ، حتى أنني رأيت في المشركين من هم أرحم بالمسلمين من بعض إخوانهم.