كتاب جيد جدا.. كعادة الكتب البديعة التي يقدمها مركز دراسات الوحدة العربىة.. يتناول الانترنت من الزاوية الفلسفية، وهي الزاوية التي تسعى دائما للكشف عن الوجود في جذوره وطبيعة الانسان ودوره وموقفه من هذا الوجود.
يبدأ الكتاب بإيراد أراء وتصورات ثلاثة من أهم الفلاسفة المعاصرين في مسألة التقنية والتقانة. فلقد أصبح الاكتساح التفني هو أهم ما يميز الحضارة المعاصرة. ثم من هذا المدخل يتناول مسألة الانترنت وتأثر الإنسان المعاصر بها.
يوضح الكتاب أن الانترنت بما يتيحه من وسائل اتصال متعددة ومتفوقة.. بما يوفر من معلومات ووسائط ترفيهية وتثقيفية وتعليمية واسعة، بالرغم كل تلك الامكانيات المهولة التي يقدمها للإنسان، إلا أنه على الأرجح أنه قد زاد من استلاب الانسان المعاصر، وجعله يعيش في فقاعة رقمية محروما، في الغالب، من التواصل الحقيقي المحقق لإنسانيته، كما أنه تم اختزال الإنسان إلى رموز رقمية.
الأمر الذي يعني أن الإنسان المعاصر ليس سيد التقنية وموجهها ومسيرها كما يبدوا من الوهلة أولى، بل هو، على الأغلب، في موقع العبد من منظومة الانترنت الضخمة التي تبتلعه وتضيعه في متاهتها. إن التقانة بشكل عام والانترنت على الخصوص يبدون أكثر فأكثر منظومات ضخمة صنعها الإنسان لخدمته فإذ بها تبتلعه وتزيد بعنف من استلابه في هذا الوجود.
الموضوع أريد أن اتعرض له في مقالات عديدة لمحوريته في حياتنا المعاصرة، ونشكر الكاتب على تلك المساهمة البديعة في تلك المسألة الخطيرة والحيوية، وإن كنت توقعت من عنوان الكتاب وطبيعة دار النشر العريقة، أن يتناول الكتاب الاستلاب المضاعف ومظاهره الذي يعاني منه الشباب العربي بشكل خاص على الشبكة العنكبوتية وما يمكن أن يتبع ذلك من تأثير على الثقافة والفكر العربي والاجيال الناشئة والجديدة.