من الروايات التي تركت في أثرا كبيرا. بدت لي تجربة في التحليل النفسي للشخصية التونسية وكذلك للمؤسسات. وفيها قراءة جادة لمرحلة الانتقال المتعبة التي نعيشها بعد "الثورة"من خلال الغوص في العمق التاريخي والسياسي والاجتماعي والنفسي للإنسان التونسي. لم أر في توظيف الجنس أي إسفاف أو نوايا تجارية كما ورد ببعض المراجعات. بل به بعد رمزي هام يكشف الأسباب البعيدة للثورة كالانفصام الذي يعيشه الأفراد بين "ما نريد فعله" و"ما يجب (أو لا يجب) فعله" و"ما نقدر (أو لا نقدر) على فعله" (للّة جنينة)، والكبت وما يولده من انفجار في ظل مجتمع محافظ يحكم ويحاكم بالظاهر ويحكمه نظام قمعي لا يعترف بالاختلاف. نظام نجح لفترة طويلة في تدجين العقول وترويض الألسن (عمل الطلياني بجريدة الحزب الحاكم). العجز الجنسي للطياني الذي انتهت به الرواية والذي كانت وراءه حادثة التحرش التي تعرض لها في طفولته من قبل إمام الجامع (الوصولي الذي لا علاقة له بالإمامة والتدين) بدت لي كإيحاء عن العلاقة الغريبة بين اليسار والإسلاميين في تونس والتي تلون قسما كبيرا من الحياة السياسية الراهنة ومخرجاتها. الإسلاميون اليوم في السلطة بينما اليسار يتخبط في "عجزه" وعدم قدرته على بناء صورة البديل المقنع، بعد أن كان بالأمس صديق الإسلاميين والمدافع عنهم أيام الجمر.
كذلك شخصية "زينة" الثائرة على كل شيء (على بيئتها، على الرجال ابتداء بأبيها وأخيها مرورا بمدير المعهد وأستاذ الجامعة وصولا إلى الطلياني ذاته عندما تركته، على السلطة، على ضعفها، على فقرها)، فيها الكثير من الرمزية. ليست بالضرورة صورة للمرأة التونسية. لكنها تطرح أسئلة كثيرة حول تركيبة المجتمع التونسي وعلاقاته وحول الفقر كعامل رئيسي من العوامل المحددة للثورة بين الحلم والخيبة. رأيت في زينة الثورة التي انطلقت من الفقراء ثم راحت تبحث عن دعم عند الآخر (العالم الغني الديمقراطي الذي عبر عن إعجابه بها) عساها تكتمل لأن عبقريتها وحدها لا تكفي والحال أن شطرا منها لازال يتخبط في "عجزه" وعدم قدرته على تحيين أفكاره في زمن تسوده.. العولمة بمنطقها وقوانينها الاقتصادية والسياسية والثقافية.
الرواية صعبة في الواقع. قد تحتاج إلى أكثر من قراءة. لكنها ممتعة.