حسنًا فعلت لجنة بوكر العربية هذا العام أن رشّحت على قائمتها الطويلة رواية (الراويات) لمها حسن، وسواءً صعدت الرواية إلى القائمة القصيرة أو اختفت منها، فقد وصلت الرواية إليّ وأعجبتني .. وستصل بالتأكيد إلى قلوب قرَّاء كثيرين آخرين ..
بدأت معرفتي ب"مها حسن" من خلال البوكر أيضًا حينما رُشحت روايتها (حبل سري) على القائمة الطويلة، ولكني قرأت لها رواية واحدة هي (تراتيل العدم) والتي دلتني على كاتبة محترفة قادرة على خلق عوالم روائية خيالية خاصة بها جدًا، وشد القارئ بسلاسة إلى ذلك العالم وربطه به،
هذه المرة هنا يبدو العالم مألوفًا وأكثر جاذبية، ويبدو تمكن الكاتبة من بناء شخصياتها والحديث عن تفاصيلهم أكثر رسوخًا، إذ أننا بصدد حكاية عن الحكايات ورواية عن الروايات، ذلك الموضوع الذي يبدو شيقًا ومطروقًا، تتناوله "مها حسن" هنا بذكاء بطريقتها الخاصة، من خلال ثلاث روايات متصلة منفصلة يربطهم خيط أساسي، وبطلات "راويات" يمثل الحكي والسرد لهن هو الحياة برمتها بل هو غاية المتعة ..
في ظني أن أعلى مستويات السرد والحبكة كانت في الرواية الأولى، بل وأرى أنها قابلة أيضًا لأن تستمر، حكاية "أبدون" (المأخوذ اسمها من رواية لساباتو) التي تجد فرصتها فجأة لكي تكتب الرواية، وتخلق عالمها الخاص، وتجد أخيرًا الفرصة لإحياء شخصياتها الروائية التي طالما عاشت معهم وتخيلت تفاصيل حياتهم، لتفاجئ بأن الذي طلب منها أن تكتب الرواية (وأسمته ساباتو) ينشر هذه الرواية باسمه ويحقق من خلالها مجدًا وشهرة استثنائية لم يكن يحلم بها!!
تدور الرواية طوال الوقت حول فكرة أو سؤال الصراع بين المكتوب المدون والشفاهي المحكي، وتفضِل الكاتبة وبطلاتها "الراويات" على الدوام أن يبقى الحكي شفويًا، رغم أننا نقرأ كل ذلك في رواية مكتوبة بالطبع، ولكن هذا الصراع مستمر، ينتقل بنا إلى الرواية الثانية "حور العين" التي نجدنا إزاء راوية بسيطة تحتفي بالحكاية وتكتبها وتحتفظ بها لنفسها حتى يأتي ذلك الروائي المزيف ليجد الحكاية الأصلية عند تلك المرأة البسيطة، وتتخلق عندها حكايات أخرى تتشابك مع القصة الأولى وتخلق في الوقت نفسه قصصًا جديدة، ليمتد الخيط إلى الرواية الثالثة في "مقهى شهرزاد" ..
ربما كان أضعف أجزاء الرواية ـ في ظني ـ الجزء المتعلق بانتقال البطلة "أليس" إلى "القاهرة" لتجلس في وسط البلد وتحكي مشاهد من الثورة المصرية (المأسوف عليها!!)
رواية جميلة، أنصح بها بالتأكيد ..
شكرًا مها حسن