هي رواية نفسية أولا وأخيراً، فتجربة القراء معها تختلف ويختلف بذلك محتوى المراجعات على ما أعتقد، فالتجليات الشخصية للحدث أهم من الحدث. ورغم ذلك وجب التنويه لمن يعتقد أن المراجعة قد تحرق الأحداث.
______________
(وضننت بسرور بالغ أن حرارتي سترتفع. فلم أرغب بالموت بل بالمرض... بمرض يمدّني بالذريعة لأفعل ما أريد).*
ضمير السيد زينو ما هي إلا رحلة في حياة شخص معطوب نفسياً ليصل أخيراً لشط الراحة. الراحة المتمثلة بالقناعة (القناعة بالعافية). شخص موسوس بالمرض، واهم، يرى نفسه المركز الذي يسبح في فلكه الكل. يتعامل مع الكل كوسيلة لفعل ما يريد، غايته أن ينام قرير العين بعد أن يكون قد أحدث سوءً لهذا أو ذلك بأن يدَّعي ويعيش دور الضحية، بأن يبحث عن ويَشْتَم المرض لا لشيء سوى للتبرير أولا وأخيراً لنفسه بأنه مريض ويستحق الشفقة رغم ما اقترف. لماذا الكذب، شمرت عن أكمامي بعد قراءة أن الرواية ما هي سوى اعترافات مكتوبة "لمريض" بتوصية من المحلل النفسي لعلاج مجموعة علله، ولأن المعالج لم يعجبه رأى مريضه في مهنته وعدم الشفافية والصدق في التعامل معه قام انتقاما بنشر اعترافاته "الوسخة" ليقرأها الجميع. فرغم أنها رواية لكن المحتوى جذاب ويعطي إيحاء بواقعيته لأصحاب الأنوف الطويلة.
علاقة زينو بزوجته، رغم أنها قد تجلب الشفقة على الزوجة إلا أنها محور الرواية. هي أوغوستا أكبر الأخوات، القليلة الحظ من ناحية الجمال بعين شبه حولاء عندما قرر زينو الزواج من هذه العائلة ذهب ليختار واحدة (الأجمل) من بينهم ونفر فوراً من أوغوستا الكبيرة، ولكن (لكمه قوية تحت الحزام) رفضته الأخريات وعندها لم يجد أمامه إلا أوغوستا. بكل وقاحة يعرض عليها الزواج لأن أخواتها قالوا لا تباعاً! ويقول لها أنهم قالوا ذلك ولم يبقى أحد غيرك!! الغريب أنها وافقت وقالت بما معناه أنت معطوب وتعاني وأنا سأقوم باصلاحك !!! الرد الفعلي على هكذا حدث هو المزيد من الشفقة لهذه التعيسة ولكن لا، في النهاية كان عندها بعد نظر بغض النظر عن عينها الحولاء. العلاقة بينهما شائكة وتطرح العديد من التساؤلات وتلك الشطحات لترك الرواية والتفكير قليلاً في ما يحدث . رغم الصبغة التهكمية الكوميدية الذي تتصف بها الرواية، لا ينفي ذلك أن المادة المكتوبة "تفرِّخ" الكثير لمن أراد التأمل. فطوال شطحات السيد كوزيني النفسية مع الجميع فإن نهايته محصورة حول نهاية يومه مع زوجته في البيت وذلك العويل الطفولي لاستدعاء شفقتها، فكل ما يحتاجه ذلك "الكلب" هو تطبيب يد زوجته على رأسه ليحس بالرضا وينام قرير العين. بشكل أو آخر كانت الحجر الذي يرتكز عليه. ولكن في نهاية الرواية سؤال ملح يطرح نفسه، هل فعلاً كوزيني يحب زوجته كما أعيانا من كثرة تكرار ذلك (فلاحظوا أنه لا يخونها إلا لأجلها ولم يحبها إلا بعد أن خانها!!!)، أم أن القول السائد الزواج شيء والحب شيء آخر وليس من الداعي أن يجتمعا لو كانت العلاقة ناجحة! أعتقد من الصعب والغباء أيضاً الإجابة بأن نرتكز على اعترافات هذا المخبول.
عندما تكون الرواية بلسان شخص معطوب تختلف عن كونها تروي حكاية شخص معطوب. فأن يكون الراوي هو الشخصية المحورية وليس راوي أحداث فقط تستلزم أن يكون هذا الشخص "سليم الفطرة" لأتقبله، أما المعطوبين أُحب أن يروي شخص حكايتهم، فلو قاموا هم بسرد الأحداث لن أتقبل هفواتهم، ولو دخل البغض في الموضوع فسأكره الرواية مهما تغنى الجميع بها (ذوق شخصي بحث). هذه الرواية بلسان شخص معطوب، خسيس النفس ويتباهى بهفواته ورغم ذلك أحببتها لأنه لا ينفك عن تقريع نفسه وذكر كم هو دنيء بالفم المليان طوال السكة.
هذه الرواية تزكية قوية لمن يمتلك تلك السوسة لدس أنفه في حياة ونفسيات الغير (ولو كان شخص خيالي في رواية)، رغم أننا نقرأ بذلك التعالي والنفاق النفسي بأننا سلمنا من مصاب كوزيني، لكن سنجد أن بنا لوثه وكلنا بشر ومصابنا واحد ونطمح لما يطمح له مستر كوزيني، القناعة بالعافية والتوقف عن الشعور أننا ضحية في هذه الحياة.
_______
*مقتبس