الحـــمْــدُ لله الذي بـــنعْـــمتهِ تتــــمُّ الصّـــالحات
وبعد : فهذا سفر عظيم من أروع و أمتع ما يقرأ الإنسان و تقرّ به عينه ،،وهو يرى هزيمة جند الباطل على يد عسكر الحق
بصراحة لست في المستوى لوضع مراجعة لهذا الكتاب ،،و لكن هذه كُلْيمات لعلّها تعبّر عما ساورني و أنا أقلب صفحات هذا الجليس الصالح ،،
مما وقر في ذهني من فوائد من هذه المناظرة :
اهتمام العالِم لأمر المسلمين في جميع بقاع الأرض أيا كانت أرضه هوَ ،،وتفقده لأحوالهم و تقصيه لأخبارهم ،وتفكيره الدائم في شؤون دينهم و حزنه و اغتمامه إذا فسد دينهم ،،فإليك ما قاله عبد العزيز الكتاني بعد ما اتصل إليه من أخبار بغداد و أحدثه بِشْرُ و عصابته الضالة فيها من فتنة أرعبت المسلمين و نكّدت على أهل الحق منهم عيشتهم ،،حتى وصلت الفتنة إلى أمير المؤمنين المأمون فلُبِّس عليه و صار يقول بقول بشر و جهم و ينصرهم و يحارب من خالفهم ،،قال عبد العزيز " فأزعجني ذلك وأقلقني و أسهر ليلي و أطال غمي وهمي فخرجت من بلدي متوجها إلى ربي عز و جلّ أسأله سلامتي و تبليغي ، حتى قدمت بغداد فشاهدت من غلظ الأمر و احتداده أضعاف ما كان يصل إليّ ، ففزعت إلى ربّي أدعوه و أتضرع إليه راغبا و راهبا ، واضعا له خدّي ، وباسطا إليه يدي ، أسأله إرشادي و تسديدي ، و توفيقي و معونتي و الأخذ بيدي ، وأن لايسلمني ولا يكلني إلى نفسي ، وأن يفتح لفهم كتابه قلبي،و أن يطلق لشرح بيانه لساني، أخلصت لله عزّ و جلّ نيتي ووهبت له نفسي ، فعجّل تبارك وتعالى إجابتي و ثبّت عزمي ...الخ " ص22 قلت : فرحمه الله عز و جلّ من عالم مشفق على الدين و على المسلمين ،،وهذه الكلمات وحدها حقّ لها أن تدرّس لما فيها من فوائد جمّة : فمنها كما أسلفت اهتمام المسلم فضلا عن العالم لأمر المسلمين و سعيه في تغيير ما لحق بهم من أذى و من منكر حسب
قدرته ،ـفهذا عالم رحمه الله آتاه الله العلم فلم يشأ أن يكتمه و يلوذ بالصمت و يفضّل السلامة ، و يترك إخوانه المسلمين يفتنون في دينهم ،ويترك دين الله يلعب به و يخوض فيه المبطلون ،،فترك أرضه و مستقرّه وأخذ ابنه و خرج مهاجرا إلى الله عز وجلّ يبغي نصرة دينه ،،،ولم يكتف بهذا بل لجأ إلى ربّه عز وجلّ و هذه فائدة أخرى ،،[هكذا ينبغي أن يكون حال المسلمين في الفتن ، يلجؤون إلى الله عز وجلّ بالتوبة و الدعاء ] لجأ إلى ربه بالدعاء والتوبة ،،وأي دعاء ؟ دعا ربّه أن يفتح قلبه لفهم كتابه ،،وهذه فائدة ثالثة [ إذا اشتدت الفتنة فعلى المسلمين الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين فتح الله قلوبهم لفهم كتابه ،،ففي كتاب الله عز وجلّ الحل لمشاكلنا ،،و الشاهد في الآية " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به...." الآية ] ةةة
وفائدة رابعة : لمّا علم عبد العزيز رحمه الله أنّ السلطان قد خاض في هذا الأمر و لبِّس عليه و وصار يناصر أهل الضلالة ،،ماذا فعل؟؟ أصار يشتمه و يسبّه على المنابر و على الملأ و أمام العامة ،كما يفعله أهل الزيغ في عصرنا ؟؟ أسارع إلى تكفيره و حرض النّاس على الخروج عليه و إزالته ؟ وكذلك يفعلون اليوم ؟
الجواب : لا ، لم يفعل شيئا من ذلك ،،لأنه عالم راسخ ،لا تخفى عليه أصول أهل السنّة في معاملة الحاكم الظالم الجائر ،،فماذا فعل إذا؟ شدّ رحاله و ذهب إلى أرض السلطان راجيا أن يستقبله في بلاطه و قصره و يناظر أهل الزيغ أمام عينيه حتى يظهر له الحقّ ،،
هذه هي [كلمة حق عند سلطان جائر ] فافهموا يا من زلّت بكم الأقدام في هذا العصر
ومن توغّل في سراديب هذا الكتيّب تبيّن له ما سبق اكثرو أكثر
ومن بين الفوائد أيضا : عناية السلف بالقرءان الكريم ،،فعندما ترى عبد العزيز_رحمه الله_ كيف يسرد الآيات عن ظهر قلب و كيف ينتزعها من مواضعها ويستشهد بها و يربط بينها ،،و يذكر قواعد السلف و العرب في فهم القرءان الكريم ،،لا تملك إلا أن تبقى فاغرا فاك ! فلا تجد نفسك إلاّ مكبّرا أو مهلّلا ،أو مبتسما ،،وفي بعض الأحيان تقفز من مكانك كالذي يتخبطه الجن من المسّ ! من عجيب ما تقرؤه و ما ليس لك به عهد ، ولا أظن أنك ستصادف ذلك في موضع آخر ،،،ولا شكّ أن ذلك كلّه من بركة دعائه و إخلاصه ،و صدق نيته في الذّبّ عن دين الله،،فهذا مما لا يفتح إلا على الخاصة من عباد الله ،،ولكن عزاؤنا أنّ نلجأ إلى ربّنا بخالص الدعاء علّه أن يفتح علينا من القرءان من نقيم به عرجنا ،،آمين
وفائدة سادسة : أن عبد العزيز _رحمه الله_ ما ادخر سلاحا في جعبته يذود به عن دين الله إلا استخدمه ،،فحجّ خصمه : بالقرءان و السنة و اللغة العربية و النظر و المعقول و القياس ،،فهزمه في كل ما سبق و أرداه صريعا ودحض حججه الواهية ،،ياعتراف المأمون الذي لم يملك في الأخيرإلاّ أن يعترف له بظهوره على خصمه ،،وعلى هذا على من اختاره الله للذبّ عن دينه أن لا يدخر حجّة ولا حيلة في سبيل ذلك
وفائدة سابعة : وهذه شدّتني كثيرا ،،أهمية اللغة العربة و ارتباطها الوثيق بكتاب الله عزّ وجلّ لأنه بها أنزل ،وأن القرءان لا يفهم من غير فهم لقواعد اللغة العربية ،،وبهذا بيّن عبد العزيز السبب الرئيسي الذي أوقع بشرا و عصابته فيما وقعوا فيه وذلك أنهم أعاجم ليس لهم علم بلغة العرب ،فخاضوا في دين الله وهم كذلك فأفسدوا و قالوا على الله بغير علم و فتنوا المؤمنين ،،فلذلك وجب على المسلمين تعلم العربية ليحسنوا فهم كتاب ربّهم ،،ويتأكد هذا في حق طلبة العلم ،،فلا يتصور طالب علم ،لم يدرس اللغة العربية و قواعدها ،أو قلّ اعتناؤه بها ،،فهذا إذا تصدّر سيفسد كما أفسد من سبق و هذا ملاحظ في عصرنا ،، فعلينا الاعتناء بلغتنا معشر المسلمين
وشيء أخير شدّ انتباهي :المأمون كما صوّره عبد العزيز هنا بدا شخصا عالما ذو إطلاع و اهتمام بالحكمة و المعرفة ،،صاحب أخلاق رفيعة ،شهم نبيل ،ذو عدل و إنصاف ،،رجاع إلى الحق ،،،ما الذي حدث بعد رجوعه للحق ؟ و كيف ؟ ولماذا ؟!! هذه محلّ بحث و تمحيص لعلنا نهتدي لذلك في كتب قادمة بإذ ن الله
وصلى الله و سلم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه وسلم