لست متأكدا من صاحب مقولة "أن الأفضل للكاتب أن يسأله قراؤه لماذا لا تكتب؟ عن أن يسألونه لماذا تكتب؟! " لكنني متأكد أنها صحيحة مئة بالمئة.
السؤال الذي سيطر على تفكيري طوال فترة قراءتي لهذه الرواية ، لماذا تكتب يا صنع الله؟
من الجلي أنه لم يعد لديك جديد، مجرد إجترار لذكريات تبدو شخصية، حيث أنها أفقر كثيرا من أن تكون خيالا أدبيا، فليس فيها خيال و ليس فيها أدب!
نسخة مكررة من رواية الجليد التي كانت تدور أحداثها –أو لا أحداثها بمعنى أصح!- فى روسيا الشيوعية في السبعينات، لكن فى ألمانيا الشرقية الشيوعية أيضا هذه المرة في الستينات.
نفس التفاصيل المتشابهة المملة، كل الفرق أن البطل هذه المرة هو الصحفي صادق الحلواني بدلا من الدكتور شكري، و فى الحالتين هو المصري المبتعث لهذا البلد الشيوعي، ليحكي لنا في يومياته الباردة عن حياته العدمية، التي تتمحور فى الأساس حول شرب الخمر و ممارسة الجنس و بعض التفاصيل الجانبية عن الشخصيات التي يقابلها في طريقه.
لم أكن يوما من أنصار التقييم الأخلاقي للأعمال الأدبية، لكن لدي مشكلة حقيقية في تقبل كتابة الشيخ المشارف على الثمانين من عمره –أطال الله فيه- عن كل شخصيات روايته من العرب الذين يشربون الخمر كالماء طوال الوقت، و لا يفعلون شيئا في حياتهم إلا ممارسة الجنس أو محاولة ممارسته!
حتى الجنس في هذه الرواية –كسابقتها- فعل ميكانيكي، خال من أي عواطف، حتى عاطفة الشهوة، مع الكثير جدا من التفاصيل المزعجة، بل والمقززة في كثير من الأحيان!
و يرن السؤال حائرا في ذهني ثانية، لماذا تكتب يا صنع الله؟
و أسترجع سجالاتي العديدة مع أصدقائي من القراء، التي طالما إنبريت فيها للدفاع عن صنع الله و التنظير لكتاباته ، التي و إن كانت تخلو من الأسلوب الأدبي المميز، إلا أنها دوما ما تتناول مواضيعا ثقيلة، و تذخر بالمعلومات الغزيرة، التي كانت تدفعني لوصفها بالرواية الوثائقية، هذه النوعية الفريدة من الأدب التي طالما إعتبرته رائدا لها.
إلا أنه في غياب الموضوع لا يتبقى إلا أسلوب جاف، و سرد ممل، و شخصيات شائهة!
يصعب علي تصور أن كاتب نجمة أغسطس و بيروت بيروت و ذات و وردة و شرف و أمريكانلي و حتى تلصص، هو كاتب الجليد و برلين 69.
و يبقى السؤال مريرا، لماذا تكتب يا صنع الله؟
أمن أجل لقمة العيش وحدها، أم هي الرغبة في التواجد في الساحة الأدبية حتى لو لم يكن لديك ما تقدمه، لا أعلم بالتحديد و لكن ما أعلمه أنني محبط جدا، و أن هذه ربما تكون آخر ما أقرأ لصنع الله إبراهيم لأتمكن من الإحتفاظ بصورته فى ذهني، و ستبقى صورته المفضلة لدي هي صورة الفارس الذى وقف عام 2003 في دار الأوبرا المصرية ليتحدى الحكومة و يرفض جائزتها المقدرة بمئة ألف جنيه –أستطيع تخيل حاجته إليها و هو الذي بتعيش على كتاباته وحدها- ليعلن التمسك بمبادئه و رفضه للتدجين و الإنضمام للحظيرة، هذا هو صنع الله الذي أعرفه ، و الذي أحبه.
****
ملحوظات:
- حاولت كثيرا أن أن أقنع نفسي بمنحها نجمتين إحتراما لإسم صنع الله إبراهيم، إلا لم أجد لم أجد فيها حقيقة ما يستحق النجمة الثانية.
- مكتوب على غلاف الكتاب أنها رواية ساخرة !!
و أخيرا: اللهم إجعل خير أعمالنا خواتيمها.