زنزانة
من بين العناوين القوية التي كانت ضمن اختياراتي للسنة الماضية لكن للأسف لم يسعفني الوقت لهذا جعلته من بين اول الكتب التي أقرؤها هذه السنة . دوما أنجذب للكتب التي تهتم بالجانب التنموي والتفكيري و المعاملاتي رغم انني لا أقرأ مراجعات مسبقة لها أو فهرسها فقد أثق بحدسي .
زنزانة .... كل شخص منا يعيش ضمن زنزانة او لنقل زنازين تترواح بين زنزانة فرضناها على انفسنا او فرضها علينا المجتمع او الظروف وبين زنزانة سجنا فيها انفسنا بإرادتنا . لكن المشكلة ليست في الزنزانة و ليست في هل فرضناها على انفسنا او فرضت علينا إنما الاشكال في ما تأخذه منا هذه الزنزانة و ماتعطينا ومما تحرمنا ومما تحمينا ومدى تأثيرها علينا.
من أكبر الزنازين التي نحن مسجونين فيها هي عاداتنا و ما نتعود عليه ، فالعادة من أكثر الأمور التي تأسرنا و تتحكم فينا .
العادة ماهي ؟ ومتى نقول عن صفة أنها عادة ؟ أي صفة فينا أو فعل نقوم به بشكل تلقائي ودون وعي و تكرارا . للعادة جانبان جيد وسيء ،جيدة هي في التكرار وسيئة هي في فعلها دون وعي ، العادة صعبة الاكتساب والاصعب التخلي عنها .
كل فرد فينا لديه عاداته الخاصة منها ما يريد الإقلاع عنها ومنها ما يعجبه ومنها ما لا يلقي لها بالا . لنتكلم عن العادات السيئة مثلا عادة قضم الأضافر ، النوم وضوء الغرفة مشتعل او النوم و التلفاز مفتوح ، ..... هناك الكثير من العادات سيئة فعادة قضم الأضافر تشوه كثيرا الاضافر وكذلك دوما تبقي الأيادي ملوثة . مثلا النوم في وجود الضوء سيء جدا ومضر اكثر لأنه يبطئ من عمل الغدة الصنوبرية التي هرموناتها مسؤولة عن الحالة النفسية للإنسان كما تمنع تشكل الخلايا السرطانية وهي تنشط في الظلام و يقل نشاطها في وجود الضوء وبالتالي النهار به ضوء ونضيف النوم ليلا في وجود الضوء يعني نحن بذلك بمنعها من تأدية وظيفتها وأثرنا على صحتنا . هذان مثالان بسيطان عن بعض العادات السيئة وتأثيرها على الصحة و علينا . المشكلة كما قلت سابقا العادة يصعب الإقلاع عنها لأنها يصبح فعلها دون وعي منا او تدخل فيما يسمى الإدمان او حدوث خلل في نفسيتنا عند غيابها او عدم فعلها لهذا وجب إيجاد ما يعوضها يعني الإقلاع عن عادة بكسب عادة أخرى تكون جيدة كلا الفكرتين صعبة ولكن لا يوجد شيء سهل في الحياة فكلنا نجاهد في الحياة منذ اول لحظة خرجنا فيها لهذه الدنيا . من بين الأفكار والأمور الجميلة التي اذا كررناها صارت عادات دائمة هي قراءة الأذكار(اذكار الصباح والمساء ، النوم، الدخول والخروج من المنزل.....) ، البسملة عند فعل كل شيء ( الوقوف .الجلوس.الكتابة.القراءة.الاكل...) ، الاستغفار ، الحوللة ، قراءة الورد اليومي او صفحة من القرآن الكريم عند كل مرة نفتح فيها حواسيبنا او هواتفنا ، صلاة ركعتين بعد كل استحمام ، قراءة صفحة من أي كتاب ، اخراج صدقة بسيطة جدا كل يوم نخرج فيه ، وضع حبوب قمح عند عتبة الباب او في مكان مكشوف لتتناول منه الطيور ، الابتسامة في وجه أي شخص تلتقي اعيننا بأعينه ، ........... من يقرأ ماكتبت سيقول هذه ليس عادات لكن تكرارها سيجعلها عادات كل الأمور والافعال التي نكررها بعد مدة تصبح تلقائية حتى الخشوع في الصلاة مجاهدة النفس عليه لفترة بعدها يصبح عادة سهلة منذ بداية الصلاة . زاوية أخرى العادة والتعود غاليا يقال انه يكون في الصغر ومن شب على شيء شاب عليه صحيح ان في الصغر يكون التعلم سهل و التعود سهل والاقلاع عن العادات اسهل لكن ليس ذريعة فحتى في الكبر يمكننا ان نتغير ونتعود و نمحي عادة ونكتسب أخرى مجرد مثال بسيط ليس حول العادة ولكن حول تغيير نمط الحياة اعتناق الإسلام من طرف شخص في سن متأخرة و لما نقول اعتنق الإسلام يعني تتغير الكثير من الأشياء في حياتك مثل أداء الصلاة خمس مرات في اليوم ، الوضوء مرتين او ثلاثة على الأقل في اليوم ، صيام شهر رمضان كاملا ، لبس الحجاب بالنسبة للفتيات والنساء ، التوقف عن شرب الخمر ان كان سابقا يشربه ......... ( نقصد تطبيق الإسلام جيدا )ان قلنا كل هذا لشخص غير مسلم وليس لديه فكرة عن الإسلام سيقول هذا تعجيز وصعب جدا لكن المسألة مسألة تعود في البداية نجد صعوبة ثم نتعود لماذا نهذب بعيدا الصغار عندنا اول مرة يتعلمون فيها الصلاة نجدهم أحيانا ينسونها او يتذمرون او... مع الوقت يتعودون والنبي عليه الصلاة والسلام قال ( علموهم على سبع واضربوهم على عشر) - رغم انني لا اعتبر هذا الحديث النبوي الشريف يخص الصلاة فقط بل التعلم عموما - لنلاحظ ان المدة بين بداية التعليم والعقاب هي ثلاث سنوات ، ثلاث سنوات مدة طويلة من اجل اكتساب عادة كان يمكن ان يقول سنة واحدة فقط او شهر لماذا ثلاث سنوات حتى ترسخ و نتعود بشكل جيد حيث نلاحظ ان الكثير من الأشخاص عندما يريدون تعليم طفل او امره بشيء او نهيه عن شيء نكرر طلبه مرتين او ثلاثة ثم يبدأ بالعقاب وهذا الحديث ينبهنا لأن مدة التعليم يجب ان تكون طويلة نسبيا حسب الامر المطلوب ثم نبدأ العقاب ، اكيد الامر مختلف حسب السن لا نقول ان تعلم الصلاة لطفل يبلغ سن السابعة نفسها تعليم الصلاة لشخص بالغ اكيد لا ولكن الفكرة ان التعود على شيء او تعليمه سيستغرق وقتا حتى الصلاة التي هي احد اركان الإسلام الخمسة.
الصلاة لنفكر بها نقوم بها خمس مرات في اليوم منذ السابعة مقدار كاف للتعود ولكن الاشكال في العادة انها تكون دون وعي ودون وعي يعني فقد الخشوع بها والخشوع من اساسيات الصلاة لهذا صحيح ان العادة الجيدة جميل جدا القيام بها بشكل تلقائي لكن التلقائية تفقدها الوعي واحيانا تصبح حتمية و لا روح فيها لهذا حتى العادات نستطيع التجديد بها فمثلا الصلاة نغير في الادعية فيها و السور والآيات او يمكن مزج الصلاة بحفظ القرآن حيث كلما نحفظ آية او سورة بشكل جيد نقوم بقراءتها في الصلاة بهذا يكون عقلنا حاضر في الصلاة . هذا مجرد مثال للتجديد في عادة .
الزنزانة ليست فقط في العادات هي كذلك في روتين الحياة في القراءة في اللباس في العمل في الافكار......... عندما نقرأ نمط واحد من الكتب او نتعصب لرأي واحد هنا نكون سجنا انفسنا في زنزانة يصعب الخروج منها و نبني بها حواجز بيننا وبين الآخرين ومنها تبدأ المشاكل ، من اجل الخروج من هذا السجن علينا تنويع الكتب حتى ولو كانت لا تروقنا او تعارض افكارنا من اجل فهم الاخر وطريقة تفكيره فالحياة وجهات نظر مختلفة بإختلاف البيئات والظروف وبنيت الحياة على الاختلاف وليس على التشابه فليس قراءة أفكار مختلفة يعني بالضرورة الاقتناع بها انما يجعلنا اكثر تقبلا للاخر ان كان فيها شرح الفكرة وما سبب نشأتها وانتشارها . اللباس وأين تكمن الزنزانة فيه تكمن في الموضة والهوس بها حتى نصبح نخاف لباس آخر يخالف الموضة حتى نواكب العصر والآخرين ولكن ليس أي موضة تناسب بيئتنا أو أجسامنا أو أدياننا ليس بالضرورة ان نلبس حسب الموضة ليس بالضرورة ان نرضي الآخرين ...
من يتابع مراجعاتي للكتب سيلاحظ انني سبق وقرأت كتب لها نفس النمط صحيح انا انجذب كثيرا لهذا النمط من الكتب وهذا الكتاب رغم ان الأفكار التي تطرق لها سبق وان قرأتها في كتب أخرى ولكن الأسلوب المتبع فيه مختلف له طابع فلسفي لطيف جدا إضافة الى تطرقه لعدة مواضيع مختلفة من بينها المواضيع الحساسة التي يتعرض لها الشباب على المستوى الشخصي التي يخشون الخوض فيها والسؤال عنها ، كما تطرق للحركات الإسلامية والادمان والاعلام و الانترنت إضافة لمفهوم السعادة و الطائفية والعصبية العرقية والعنصرية، الزواج والحب ، الغربة والتشبه بالغرب ...... ومن أهم ماذكر فيه صفاته عليه الصلاة والسلام وتصرفاته ومعاملاته و تحديد متى نقتدي به ومتى لا تكون القدوة به واجبة لأن الكثير يخلط بين الأمور ويحلل ويحرم أمورا على أساس الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام فمثلا لم يكن عليه الصلاة والسلام يأكل البصل والثوم والضب ليس لتحريمها او كراهتها وانما كان عدم تناوله للبصل والثوم بسبب تواصله مع جبريل عليه السلام والملائكة والضب بسبب ان اكله ليس من بيئته ويعافه وبالتالي يعاف الاكل بحسب البيئة ليس شيء نكرا بل يجوز فكل شخص يعاف اكل شيء محدد بسبب عدم اعتياده عليه لا مانع في ذلك فلا يقال لشخص انك تحرم ما أحله الله ونفرض عليه اكل ما يعافه مهما كان .
الكتب أخذت حصة كبيرة من الكتاب حيث تكلم فيها الكاتب عن قصته مع الكتب وهذا الجانب من بين الجوانب التي راقتني في الكتاب جدا حيث رغم تكلمه بصفة الأنا إلا أنه احسست انني انا من أتكلم عن قصتي مع الكتب وكيف تدرجت في القراءة منذ الصغر وسبب تعلقي بالكتب و كيف اكتسبت حبها والانتقال بين الكتاب الورقي والالكتروني إضافة الى طرحه أفكارا لتحبيب الأطفال للكتب والتربية
أفكار الكتاب منوعة وماذكرته هو جزء بسيط مما هو مطروح فيه كتاب بكل معنى الكلمة رائع يساعدنا على الخروج من الزنازين المحيطة بنا او على الأقل معرفة متى نفتح باب الزنزانة ومتى نغلقه . متى نقلد ومتى لا نقلد . متى نتعود ومتى نكسر التعود .متى نأخذ ومتى لا نتشبه . متى نقترب ومتى نبتعد . فيه أجوبة لعدة أسئلة طرحناها على انفسنا و فكرنا فيها و خفنا من طرحها على الاخرين او لم نجد من يجيبنا . كتاب يخاطبنا ويخاطب عقولنا و العقل الباطن لنا