لو أخبرنى أحد أننى سأنتهى من رواية ما يصل عدد صفحاتها إلى 400 فى جلسة واحدة فقط لا تتعدى ساعات , فلن أصدقه بكل تأكيد !
الغريب أن ذلك الأمر حدث معى فى هذه الرواية " انحراف حاد " وهى ثانى رواية اقراها لأشرف الخمايسى بعد منافى الرب وكلاهما ادرجا ف قائمة البوكر .
تبدو فكرة انحراف حاد قريبة من سابقتها ف منافى الرب ، حيث الغوص ف الاعماق النفسية للبشر بشكل فلسفى والبحث عن معانى أكبر من تفكيرنا المعتاد كالخلود والموت وما إلى ذلك .
هذه الرواية جميع شخصياتها أبطال وإن كان المحرك الأساسى لجميعهم هو " صنع الله " هذا الشخص الخفى الذى لا تعلم عزيزى القارئ من هو بالتحديد هل هو بشر مثلنا أم مُرسل من الله أم شيطان أم جنى !! إذا كنت ستظن أنك ستعلم حقيقته ف النهاية فهذا وهم .
مصائر الشخصيات مرتبطة ببعضها بشكل معقد والقاسم المشترك بينهم هو " صنع الله " الذى يظهر لكل شخصية ع حدة ف لحظة انحراف حاد ! نعم ليس المقصود فقط من اسم الرواية هو انحراف الميكروباص الذى يحمل أبطال الرواية ، لا ، فالمقصود من الاسم هى اللحظة التى تنحرف فيها حياة كل شخص من شخصيات الرواية لسبب ما ونتيجة لذلك يظهر " صنع الله " بشكل تلقائى ليغير ويبعث بالشخص الذى أمامه ( هذا ما أدركته وقد أكون مخطئة ) .
وبالرغم من تشابك العلاقات الذى ذكرته سلفا إلا أن الخمايسى نجح ببراعة شديدة ف معالجة ذلك بسلاسة وعمق ف آن واحد يجعلك تنجذب بشدة وتغوص ف مزيد من الصفحات حتى تعلم ما هى النهاية ، فالكاتب الحقيقى هو الذى ينجح فى إنهاء فصول الرواية بجملة تجعلك متشوق لما هو قادم وتغريك لمعرفة المزيد وهو ما تحقق هنا بشكل احترافى .
أعجبنى أيضاً اختلاف حياة الشخصيات ومآسيهم التى ع أثرها ظهر " صنع الله " لهم ليخيرهم ما بين الاقتناع بفكرته عن الخلود الدائم للإنسان أو رفض ما يقوله ومن ثم يتحملون عاقبة ذلك !
هل معنى انحراف الميكروباص ف النهاية يعنى أن الجميع رفضوا تصديق فكرة الخلود الدائم للإنسان ومن ثم لقوا مصرعهم ف مكان شاءت الصدفة أو الأقدار أن يجتمعوا فيه سوياً ف وقت واحد ؟
هل " صنع الله " نفسه ليس مقتنعا بالفكرة التى جال شرقا وغربا لكى يسوقها ومن ثم لقى مصرعه مع الآخرين ف الميكروباص ذاته بما إنه كان راكبا معهم ؟
أم أنه كان " صنع الله " زائف وليس الحقيقى طالما أنه كان ليس موجود شبيه له ف الميكروباص الذى انحرف قبل الميكروباص الذى يحمل أبطال الرواية ؟
هل تشتت ذهنك عزيزى القارئ من ذلك الحديث ؟ هذا هو المطلوب ، 400 صفحة من العصف الذهنى بطريقة أدبية لا تبعث الملل ع الإطلاق بل بالعكس تجعلك تسأل نفسك بعد النهاية عن معانى ورموز الكثير من الأحداث بل والشخصيات أيضاً واعتقد أن هذا يدل ع نجاح العمل وكاتبه
هل ذلك العمل أفضل من منافى الرب ؟ بالطبع لا ، منافى الرب كان عملا فريدا وربما يعود ذلك إلى كونه العمل الأول لأشرف وهو يعتمد ع فكرة النفس البشرية ورغباتها والفلسفة الإنسانية ومن ثم فإن التكرار يفقد الأشياء جزء من جمالها الأولى ولكن هذا لا يعنى عدم جودة هذا العمل بل بالعكس وجوده ف جائزة البوكر أمر مستحق بكل تأكيد ، ولكن هل يستحق الوصول إلى القائمة القصيرة والفوز بالجائزة ؟ سأصدر حكمى بعد انتهائى من قراءة جميع أعمال الجائزة عن هذا العام
أخر شئ أود الاعتراف به : يبدو أننى وقعت ف غرام كتابة أشرف الخمايسى :)