كان طيراً غريباً ، في أشكال شتى ، شخص يستطيع أن يُفكّكَ مشاعره مثل أجهزة ساعة سويسرية ليفحصها .
أيام هادئة في كليشي
نبذة عن الرواية
في هذا الكتاب يتحدث "هنري ميللر" عن تجربة ذاتية، في سياق عمل روائي، جاء بعنوان "أيام هادئة في كليشي"، وكليشي هي ساحة في مونمارتر في باريس، جلس الاديب على إحدى مقاهيها يرقب الناس ليستنبط مادة عمله الروائي. عن هذا العمل يقول ميللر "... بينما كنت أجوب شوارع باريس، أمعن النظر في اللوحات المرسومة بالألوان المائية المعروضة في واجهات المحلات، أدركت أن الشيء الوحيد الذي تفتقده هذه اللوحات هو اللون الذي يعرف باللون الرمادي الداكن... انطلق بشكل غزيري لأختلط بجموع الناس، من جميع الألوان وطبقاتها، وتدفعني دفعاً لكي أنكفئ على نفسي، وترجعني إلى غرفتي لأبحث في مخيلتي عن عناصر الحياة المفقودة الآن (...) في يوم رمادي في باريس، غالباً ما كنت اسير صوب ساحة كليش في مونمارتر، ومن كليشي إلى أوبيرفيله، حيث يوجد صف طويل من المقاهي والمطاعم والمسارح... كنت أجلس داخل المقهى وخارجه طوال اليوم، وفي جميع أنواع الطقس، كنت أعرفه مثل كتاب، إن وجوه الندل، واصحابه، وأمنيات الصندوق، والزبائن، بل وحتى الخدم الذين يعملون في دورة المياة، محفورة في ذاكرتي وكأنها رسوم في كتاب أقرأه كل يوم...". جميع هذه الوجوه كتب عنها ميللر كفنان يخط ريشة في علبة الوان، ليصف لنا أحساسه بالذهول والرعب من مشاعر الفرنسيين، والتي بدأ بالتعرف عليها في بداية مشواره الأدبي...التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2012
- 95 صفحة
- منشورات الجمل
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهاقتباسات من رواية أيام هادئة في كليشي
مشاركة من S.alobaidly
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
A-Ile Self-hallucination
عندما تفكّر أن تمسك كتاباً للأمريكي “هنري ميللر” من أجل قراءته، فأنت بالتأكيد لديك فكرة مسبقة عما يمكن أن يحتويه الكتاب بين صفحاته، وعن أسلوبه الذي سيأخذك لعوالم خاصة. تلك العوالم التي قد يصفها البعض بالإباحية. وبعيداً عن التسمية، التي يُحبّ الشرقيون إطلاقها على مثل هذه الأعمال، بأنها إباحيّة، وهي تندرج تحت مُسمّى أدب الإيروبيك، لكننا بطبيعة الحال أمام عمل مميز كعادة ميللر في نصوصه.
وميزة ميللر لا تكمن في جرأته فقط على وصف الأشياء بدقتها المتناهية وأسمائها العلنيّة، إنما تكمن فرادته في أسلوب سرده الواضح الذي لا يحتمل أي نوع من المغالاة الأدبية، يُضاف إلى ذلك، الفكرة التي يريد إيصالها بذكاء كبير.
أيام هادئة في كليشي، عمل بسيط، تقوم حبكته الأساسية، عن تجربة جوي وصديقه كارل (المثقفان الأمريكيان) وهما يعيشان في باريس. ويأخذ الكاتب الجانب الاجتماعي من حياتهما وعلاقتهما مع نساء وعاهرات فرنسا، وذلك الافتضاح العميق لعدم الأخلاقية التي يتمتعون بها، وممارسة الخداع من أجل الشهوات والسعي للجنس. لكن من يستطيع قراءة ما أراده ميللر في عمله يتعدى هذه السطحيّة في التعاطي.
بداية يطرح ميللر بعض الأسئلة غير المباشرة من خلال وصف شخوصه وعلاقاتهم، وتأتي الأجوبة في سرد الأحداث. هل فعلياً الرجال الأمريكيين هم النموذج الأخلاقي الذي تسعى له نساء فرنسا ؟ هل رجال فرنسا على ذلك الحد من السوء في تعاملهم مع النساء ؟ هل لهذا علاقة بطبيعة أن الفرنسيين متوسطيين ؟. وأخيراً كيفية تصوير أن حتى المجتمع الفرنسي بكل تاريخه الثقافي وصل إلى مرحلة الحلم الأمريكي.
ولو قُدّر للقارئ أن يؤخذ بالجانب الإيروتيكي في وصفه لتلك العلاقات، وسحر السرد، فإنه لن يشعر بجانب السخرية والاستهزاء التي رسمها ميللر حول الحلم الفرنسي ونظرتهم اتجاه الأمريكان والحلم الامريكي – بأنهم رجال مثاليون. وكان قد ظنّ البعض أن ميللر يبني روايته على النظرة الأمريكية الفوقية اتجاه الشعوب الأخرى. لكن المسألة تبقى في مكانة أعلى من ذلك التحليل.
استطاع ميللر بسخرية مبطّنة توجيه الأنظار إلى الانحطاط الأمريكي بصورة ساحرة، وفي أكثر من موقف.
عندما كتب هو وصديقه كارل الشيكات الوهميّة للعاهرتين الفرنسيتين، وهما يمثلان بأنهما رجال أغنياء من أجل الحصول على لحظات متعة فقط. أو لحظة مضاجعة الفتاة القاصر تحت ستار الكُتّاب الأمريكيين الحضاريين. أو تخلي كارل عن عشيقته إليان لجوي بعد أن شعر بالملل منها. وكثير من التجارب التي وصفها ميللر ضمن عمله بحذر.
تلك المغامرات التي في ظاهرها وصف دقيق للعالم السفلي الفرنسي (الأوروبي)، ليست سوى واجهة لتشريح الأسلوب الأمريكي في نظرته للعالم وسفالته المُبطّنة بالأخلاق والحضارة. رسم ميللر تلك المسألة بدقة ما بين انحطاط فرنسا السفلي وما بين المزاج الذي يمكن ان يوجد لدى طبيعة الكُتّاب وما بين الاحتفاء بالجنس والمثالية الأمريكية.
تلك السخرية الهادئة والمضحكة في تفاصيل الرواية، تجعل من هذا العمل ضربة قاصمة للثقافة الأمريكية، وما بُنيت عليه.
بالطبع فإن ميللر لا تكمن مشكلته فقط بالنظرة الامريكية وتشريحها، بل كان متعمّداً (نتيجة حياته في باريس وفهمه لتلك المدينة) أن يُقدّم الجانب الخفي من أوروبا أيضاً. ذلك العالم المليء بالفقراء والمحتاجين والشهوانيين الذين يبحثون عن مصدر للرزق والحياة. وتجلّى ذلك في عاهرات فرنسا اللواتي (وبعيداً عن طبيعتهم الساعية للشهوة بشكل عفوي، كما هي الحياة) فإنهنّ يبحثن عن ما يجعلهن في مرتبة أرقى والخلاص من جحيم ذلك العالم الفرنسي الذي (بحسب ميللر وسخريته المبطنة) كان يعاملهنّ كمومسات حقيرات. لكن ميللر استطاع بذكاء وصف مسألة أنّ لا نساء فرنسا يطمحن للحلم الأمريكي، ولا المثقفان الأمريكيان يريدان العودة إلى أمريكا الحضارية، فالجميع يريد العيش في تلك البقعة من العالم المليئة بالحب رغم افتضاحه، لأنهما (كارل وجوي) يدركان تماماً أن المجتمع الأمريكي هو أكثر سفالة من سفليّة العالم الباريسي. ذلك الدوران في حلقة لا تنتهي من الشهوة والجنس والإدراك للانحطاط العالمي، والتي كان ميللر يدركها منذ أكثر من ستين عاماً، واستطاع وصفها في روايته بطريقة مبدعة.
تبقى مسألة أخرى وهي بتصوري على جانب عظيم من الأهميّة، وهي طبيعة الكاتب بالعام. فجوي وكارل، كاتبان مثقفان، لكنهما لا يستطيعان النظر للحياة إلا بطريقة أن كل شيء يخضع للتلبية، وهذا أحد الأسباب الذي أوصلهما إلى ذلك المستوى من الانحطاط، لكن في لحظات الإبداع فإنهما مستعدان للتخلي عن كل متع الحياة في سبيل الحصول على فكرة، وهذا ما جرى مع جوي في الثلث الأخير من العمل تقريباً، عندما كانت أدريان الفتاة الفرنسية تريد أخذ الشيكات الوهيمة بينما كان جوي يهذي لأنه بدأ يرى أمام عنيه النهاية المثالية لروايته التي يكتبها، فترك كل شيء وجلس على كرسي يكرر جمله التي تراءت أمامه من أجل عدم نسيانها. ذلك الهوس العاطفي والاكتشاف لما يريد إنهاء عمله به، قد تجلّى بشكل كامل، فلم يعد يريد الجنس ولا الحب، كان جوي في تلك اللحظة يريد شيئاً وحيداً أن سود الصمت كي يستطيع التحرك من كرسيه وتدوين اكتشافه اللحظي.
تلك المسألة السريعة التي عبّر بها ميللر في روايته تحمل الكثير من وصف دقيق لطبيعة الكاتب الذي فعلياً لا يهتم بشيء أمام هوسه. فكل الأشياء العفوية والممتعة تسقط في سبيل فكرة هائجة قد تخطر على ذهن مهووس.
ربما تحمل الرواية الكثير من سلطة الجنس وفنها الإيروتيكي العميق، لكنها بالمقابل حملت أسلوباً فريداً لتقديم بنية اجتماعية وثقافية غربية، ابتغاها ميللر لتشريح ما يختفي خلف باب الحضارة، مع التركيز على مسألة أخرى وسريعة، أنّ ذلك العمل ربما يُدين جانباً غربياً، لكنه لا يُبرّأ الآخر في المجتمعات التي تدّعي الحضارة والثقافة والأخلاق من اشياء هي أسوأ بممارساتها المخفية تحت ستار آخر.
إن الفن الغربي جريء ليُشرّح ذاته وأفكاره، ويبقى للفن في المجتمعات الأخرى أن تسلك نفس السلوك كي ترتقي بنفسها إلى موقع محترم.
-
مناف زيتون
رواية تجعلك تتمنى لو أن هذا الكاتب عاش إلى الأبد كي لا تنتهي حياته التي تعبر في كتبه كنسمة صيفية، ينصح بقراءته بعد ثلاثية أوبسيليك (أو ربيع أسود)