في المجالس العربية يكثر تقديم القهوة وبالطبع الشاي،والشاي يقدم بتنوع كبير بإضافة الحليب إليه أو بإختيار أصناف مختلفة أثناء إعداد أباريقه أو أكوابه،فبالرغم من حرارة الجو المرتفعة في الدول العربية تظل الصواني تحمل أكواب الشاي كدليل على حسن الضيافة وأيضاً لإسباغ الدلال على الأمزجة كما جرت العادات الإجتماعية،والصواني تروح وتأتي بأكواب مليئة وأكواب فارغة يعاد ملؤها ليسهل للجالسين تناول أحاديثهم ،فحركة الأكواب لا تتوقف إلا للتعبئة والأحاديث لا تتوقف إلا لأخذ رشفات موضوع جديد مشوق!
ومن الكتاب الذين أدمنوا تناول أكواب الشاي على مدار اليوم كان الدكتور ساجد العبدلي حتى أنه أسمى أحد كتبه ب "بصحبة كوب من الشاي"،وهو إنتقعى هذا الإسم لحبه للشاي وأيضاً لكثافة السطور لكل كوب كلام أدلى به في الكتاب مع القلة في عدد الكلمات المذكورة،فأكواب الكلام هنا هي أقرب للخواطر والمقالات ولذلك هي ما بين الطول والقصر ،أي في منطقة وسطى،وأنفاسها تستنشق البساطة اثناء تقديم كل كوب حرفي منها،وهذه الأكواب الحرفية لها ثلاث نكهات في مواضيعها :فنكهة الشاي المطعم بالحليب كانت تغطي السطور التي حول الكتب والصحافة والقراءة،وهناك نكهة الشاي الأحمر مع أوراق النعناع العطرة عمت الحروف التي حول الخبرات والتأملات الحياتية ،ونكهة الشاي الكثير السكر أثناء إرتشاف المعلومات والإحصائيات حول الشاي وغيره،وبالنسبة للنكهة الأولى المغذاة بطاقة المعرفة فالكاتب وضح بأنه يحب أن تحيط به أكواب الشاي وتطيب له رفقتها ،وهو أيضاً يرى نفسه متيماً بالرغبة في إحاطه ذات بالكتب والإستغراق في مطالعتها،فهو لا يستطيع الإستغناء عن زمالة كوب الشاي والكتاب الذي بقربه،وبعد ذلك صنف كاتبنا مراحل الفهم المقترنة بالقراءة إلى ثلاث مراحل وهي :المرحلة الأولى وفيها لا يتم فيها مقصد الكلام على الإطلاق ،والمرحلة الثانية وفيها يتم التركيز على المعنى الحرفي للكلمات فيفهم المعنى الجزئي أو النصفي وربما يفهم عكس الكلام وربما يضيع المعنى،والمرحلة الثالثة وهي المرحلة الأكثر تطلباً وفيها يتم إدراك المعنى الكلي للكلمات ومعانيها،والكاتب ينادي بأن يصل القراء للمرحلة الأخيرة ليرتفع مستوى الوعي ولتأخذ السطور حقها في الفهم،والكتابة تأتي إثر القراءة فتحدث عنها الكاتب ،وهو بالتحديد ناقش قضية تجافي الرغبة في الكتابة لدى الكاتب نفسه وغيره حتى مع وجود سلسلة من الأفكارة المتعددة والمستنيرة،وتساءل إن كان من صلاحية الكتاب أن يأخذوا إستراحة من الكتابة خاصة من كتابة المقالات،فكتابة المقالات تستنزف مهودات كبيرة من الكتاب وأهل الصحافة،وكذلك تساءل عن السبب من وراء الكتابة ،بمعنى هل يكتب الكاتب ليظهر الحرقة التي تلهب فكره أو ليستجيب لما تريد منه الجماهير أن يكتبه،وهو تساؤل قديم ،فمن الكتاب من يكتبون ليظهروا عبرات أفكارهم وبعضهم يكتبون ليتوحد همهم مع هم الجماهير ومنهم من يفصل كلماته حسب طلب الجماهير بالكامل،ومن ثم يقوم كاتبنا بما هو أشبه بالمحاولة للإجابة عن تساؤله بإخبارنا بأنه يخط عباراته مراعياَ قناعاته وفي الوقت نفسه هو يفرح بالتغذية الراجعة الإيجابية التي يتلقاها من القراء بخصوص كتاباته،ومن ثم لدينا نكهة النعناع بما فيها من حيوية وإنعاش التفاؤل بما في الحياة من خلال تأملات كاتبنا،فكلمنا عن من يملكون إخضراراَ في مشاعرهم بترحيبهم بالحياة وعن الطفولة التي تمرح في مروج هذه الأرواح،وألحق هذه الفكرة بفكرة التسامح من أجل المضي قدماً في الحياة وللإستمتاع بلحظاتها،وأكد لنا بعد ذلك كيف أن من الهم أن يعتني الإنسان بحالته المزاجية وأن يحسن من هندامها ليسعد ،وهو حتى مع تحفظاته على ما يرد في بعض كتب التنمية لبعدها عن الجانب الواقعي،فهو يتفق معها حول نقطة قدرة الإنسان على الإعتناء بنفسه وبمزاجه وصياغة قرارته مهما تجهمت أحواله،وهو يقتبس من رواية "كائن لا تحتمل خفته" للكاتب ميلان كونديرا الإقتباس التالي "مزاج الصباح كغزال بري لا يصح أن نقترب منه بفظاظة وقسوة" يؤكد لنا بأنه ممن يستمعون بالأوقات النهارية وبالتحديد الصباحية،وهو يحب أن أن يدلل صباحاته وأن يمارس فيها نشاطاته،ويعود لمفهومه حول إتخاذ القرارات فيبين لنا بأن الإنسان هو من يملك زمام هذه القرارات مهما تعاظمت الخطوب التي تمر عليه،هو من سيتفيد من القرارات السليمة وهو من سيصحح القرارات السلبية ،فالإنسان يتعرف على نفسه وعلى صحة قراراته من خلال هذه العملية وهي من سمات الحياة،ويحدثنا أيضاً عن البشر وسماتهم أيضاً ،فالبشر شبههم لنا ب"السوائل"،فمنهم من هو مريح في التعامل معه ومنهم من هو صعب في التعامل معه،وهناك من يعيشون ك"سمك القرش"،فهم يسخرون كل أوقاتهم من أجل الحصول على المزيد من المال ولتحقيق الثروة أو من أجل نيل المعيشة التي في طموحاتهم،وهناك من توقفهم الحياة بعامل مرض ليتمعنوا في حيواتهم و لينهلوا من كل دقيقة بقيت لهم وأتى لنا بمثال وهو "جين أوكلي"،والكاتب تأثر بفيلم (The Bucket List) إستمر في رسم معالم ضرورة الإستفادة من الوقت وهنا فصل في صياغة الأهداف والأولويات،فلو تخيل الإنسان بأن لديه وقت محدد (وهذا واقع معاش) وبأن كل دقيقة لن تعود فكيف سيحياها وكيف سيحيها ،فكثيراً ما تعبر من أمامنا أهم وأجمل الأشياء بالنسبة لنا و لا نستمتع بها لأننا إما لا نقدر قيمتها أو ندعي إنشغالنا أو تلهينا أمور أقل أهمية منها،ومن ثم طرح سؤالاً مهماً فيه ملمح تعريفي وملمح تبيهي وملمح تذكيري وهو "من أنت؟"،فهذا السؤال الذي يتكون من كلمتين يدفع المرء إلى إعادة النظر في كيفية عيشه وكذلك تخطيطه لحياته،والكاتب بعد هذه الأسطر كتب أسطراً أخرى عن تجربته مع الألم حينما فارق أخوه "عبدالعزيز"الحياة لأصابته بمرض السرطان،فكاتبنا أحس بصدمة لما حدث وأيضاً بسخط ومن بعد ذلك إستوعب هذه التجربة أكثر وأدرك بأن الحياة وقتها متسارع في النفاد،ومن ثم وضح لنا الكاتب مفهوم "الذكاء العاطفي" وبأن أهميته لا تقل عن أهمية "الذكاء العقلي" وهو تعلم ذلك من المعضلات التي واجهته،فالإنسان عقل وعاطفة وليس مجرد عقل أو مجرد عاطفة،ومن الضروري أن يوجد تجانس بين قرارات العقل والعاطفة من خلال إستخدام أنواع متعددة من الذكاءات،فالقرارات الذكية تسهل الحياة سواء على صعيد العمل أو الصداقة أو الزواج،فمن خلال هذه الذكاءات سيحدد الإنسان مراده وكانته لدى الآخرين ومكانتهم عنده،والكاتب إتسلم لخياله وهو يتخيل نفسه إما بائعاً للكتب أو للورد،وإن كان يرى بأنه ليس من أهل التجارة ولكنه إن كان محاطاً بالكتب سيسعد بالقراءة وإن كان محاطاً بالورد سيصفو باله بالجمال،وإني إن سلمت لنفس لهذا الخيل فسأختار أن أكون بائعة للكتب مثله وللسبب ذاته ،وربما بائعة للوحات الفنية لأني أعشق متابعة جنون الحياة مصوراً،وفي نهاية الكتاب نرتشف مع الكاتب حكاية مشروب الشاي وهو غني بمكعبات السكر المعلوماتية ،وهو يزودنا بحقائق تاريخية عنه وإحصائيات ،وكذلك بعض الروايات الأسطورية المحيطة بأصله وإكتشافه بالإضافة إلى الطقوس المرافقة لشربه وإعداده خاصة في الدول الآسيوية حيث أن موطنه هو كما يرجح هو الصين.
كتاب(بصحبة كوب من الشاي) للدكتور ساجد العبدلي،فيه تستطيب صفحات الكتب برائحة أكياس الشاي التي بقربها !