كتاب عندما يتنتهي منه أي قارئ مهما كان سيدرك حقيقة أنه عميق في مضمونه, وهذا ما سيجعله يعيد قرائته مرات, إذ يكشف حقيقة الذات الزائفة -الأنا- التي تدعي أنها نحن, وكتل ألم التي تعيش في داخلنا وتحولنا إلى وحوش لا هم لها سوى إشباع آلامها, ويعرض كيفية فك أسر التي تفرضها علينا من خلال الحضور وسكون وبتالي الوعي..,
أرض جديدة؛ الصحوة لهدف حياتك > مراجعات كتاب أرض جديدة؛ الصحوة لهدف حياتك
مراجعات كتاب أرض جديدة؛ الصحوة لهدف حياتك
ماذا كان رأي القرّاء بكتاب أرض جديدة؛ الصحوة لهدف حياتك؟ اقرأ مراجعات الكتاب أو أضف مراجعتك الخاصة.
أرض جديدة؛ الصحوة لهدف حياتك
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
حنان البقمي
من الكتب التي يرجع إليها كل ما شعرت باختلال توازنك الداخلي،فهو يعيد ترتيب افكارك ويجعلك ترى الأمور بمنظور مختلف، اهم الفصول بالنسبة لي هو الفصل الخامس(كتلة الألم)
فقد أجاد الكاتب في تشريح الألم وعلاقته بالأنا.
أنصح بقراءته لمن يريد مراقبة أفكاره وفهم مشاعره.
-
علي زيراوي
قد يكون من الهجين و اللاّمستساغ لدى الكثير متابعة مقال يخرج عن دائرة "الفكر" و يتمرّد عن نطاق "المعقول السّائد"
كيف لا و قد رسمت الحضارة الإنسانية السالفة مجالات البحث و ضبطت الأوعية الحاوية للعلوم و صنفت ما يمكن أن يكون مناط اهتمام إلى صنوف محصورة ثم جمعتها في طوائف ذهنية جانبت الدقّة حتى على مستوى الاصطلاحات المطلقة على هذه المجموعات
فعبارة العلم مثلا في مفهومها العام لا تعني أبدا المعارف و الظواهر القابلة للمعاينة الحسية و من ثمّة التطبيق
هذا التحديد القبلي من قِبل الهيئات الرسمية التي تولّت أمر الفكر و الإبداع للميادين و الأطر هو من عِلل الوضع المتردّي الذي يشهده العالم بجناحيه على جلّ الأصعدة
و إن زُعم أن باب البحث و الإفادة بما ينفع البشرية يظل مفتوحا فإنه يضلّل الجاهل و يغالطه . ذلك أن المسألة تشي بفرض شروط مسبقة ( على غرار المعقولية و المنطقية ) يُفترض توفرها في دراسة صغيرة أو أطروحة مسهبة و إلا أسقطت عليها نعوت شتّى من قبيل العبثية و الزَّيْغ و ما إلى ذلك من أحكام انفعالية و ذلك نتيجة انحراف هذا العمل عن دائرة الشروط المسبقة هذه
لقد كانت خطيئتنا العظمى أن ظننا يوما أن الفكر كفيل بالإجابة عن تلك الأسئلة الانطولوجيّة المؤرّقة فكانت النتيجة عالَما مكلّسا , الجنون عنوانه و التزييف منهجه و المجهول مآله
لقد شهد التاريخ القديم و الأوسط رفْض أشخاص هضمَ الفكرة القائلة بأن العقل الإنساني هو وحده المميّز للإنسان عن سائر الموجودات فارتحلوا في أغوار ذواتهم باحثين عن أبعاد أخرى قد تشفي غليلهم و تقطع مع الواقع المفهومي الذي كانوا يعيشون , واقع متسم بالتموقع صلب المفهوم و الخوف و عدم الرّضا
أشخاص سبروا أغوار ذواتهم و بحثوا عن حقيقتهم الكلية بتجرّد تام و وعي فوقي شموليّ فخلَصوا إلى زيف المقولات الذهنية التي تدعي اهتدائها إلى حقيقة ما ( فكرة ماضوية تعيسة / مرجعية دينية أو أخلاقية / مجموعات و كيانات عرقية أو قومية أو وطنية / مجموعات مضمونية فكرية كانت أم سياسية أم رياضية .. ) ..... ليجعلوا منها هويّتهم الوحيدة بحيث لو حيل دون تحقيقها أو إثباتها ضاعت الذات في نظرهم و فقدت أيّ معنى ممكن لها . هذا في الوقت الذي يدركون فيه أن الكيان الإنساني أعمق من أن يُختزل في مفهوم واحد أو حتّى كلّ المفاهيم التي تعورف عليها
أشخاص عرفنا قلة قليلة منهمم و جهلنا معظمهم فقد كانوا موقنين بأن الظهور و الشهرة لا يحققان الهوية الإنسانية بل يتسبّبان في حلول ذات مزيفة تنتحل مكانة الذات الحقيقة بكل مكر و خداع فييسر انطلاؤها عليها
الاستعاضة عن الواقع المفهومي بالواقع الحيّ
عن التفكير بالإحساس
عن الفكر بالوعي
عن الحقيقة بالوجود
عن الماضي والمستقبل بالآن
عن الفكر بالإدراك
عن الهوية بالكينونة
لعلّ إيكهارت تول صاحب قوّة الآن و أرض جديدة المؤلّف الرّوحاني الذي ترجم إلى 33 لغة من بين هؤلاء الأشخاص الذين ترفّعوا عن السائد و اصطدموا بحقيقة العيش (الوجود) الناسفة لكلّ "الحقائق" الذهنية المزعومة على تنوعها و اختلافها
على أن تول لم يؤثر الانفراد بالإحساس بفرجة الكينونة ليقرّر تقاسمها مع من يريد من بني البشر عبر كتابيه سالفي الذكر في نسج على منوال أمثال غوتاما سيدهارتا و لاو تسو و غيرهما
لقد حرث تول أرضه الجديدة هذه بمحراث ناعم غير آبه لنتيجة تجاوب الأرض القديمة معه فهو لم يعلم بمدى استعدادها لهجر مسببات البؤس الإنساني الأبدي مقابل نشودها أبعاد البهجة في الذات و الشيئ و الخالق حتى تنصهر الحدود بينها و تزول الفوارق لتكون الذات و الشيئ و مصدرهما أمر واحد
على أنّه و سعيا منه لمجاراة الأرض القاسية و ملاينتها إيمانا منه بعدم جدوى الأساليب الراديكالية في التغيير الفعلي , انتهج فلسفة سلسة بأن صمّم كتابه على نحو فيه من المرحلية التي يسلكها الطبيب الذي يرمي إلى استئصال ورم خبيث طالما تغلغل بجسد الإنسان و كل مقدم عن تغيير كليّ فتجلّت بذلك الصبغة الموضوعية المنطقية المسايرة لطبيعة الفعل الثوري لبنية كتابه ليوزعه على 10 أقسام تجمع بينها صلات وطيدة بأن يكون القسم السابق بمثابة الأرضية الضرورية لتحقيق الرهان الذي يجيئ به القسم اللاحق وصولا إلى القسم الأخير الذي يجد فيه القارئ نفسه مدعوّا من قبل الأرض الجديدة عارضة عليه احتضانه عندها و قد وجدها أقرب إليه من أي وقت مضى بعد معايشته للأقسام التسعة السّابقة فلا يأبى النّداء بعدها إلّا مكابر
عنون تول فصله الأول بتفتح الوعي الإنساني فرسم ما عاينه من انحراف صارخ بالمرامي السليمة للواقع البشري منذ فجر التجربة الإنسانية و عدَّ ذلك ضربا من ضروب الجنون البشري المتأصّل في كل إنسان على نحو من الطبيعة و الفطرة فأطلق عليه اسم ( الخلل الوظيفي الوراثي )
Dysfunction
و قد اقترح فصيلتين من الخلل الوظيفي الأول جماعي متمثل في إحساس جماعي لشخوص تربطهم أطر مجنونة ينضوون تحتها و يضحون بأنفسهم إمّا للدفاع عنها و تحصينها أو لإثباتها و العمل على سطوع نجمها . و ما الحجم الهائل من الحروب و الصراعات و التطاحنات التي شهدها التاريخ ععلى مرّ الأزمان إلّا أجلى دليل على ذلك .
أما النوع الثاني من هذا الخلل فهو الفردي الذي لا ينتفي لدى ذوي الخلل الجماعي بحيث يضحي بداخل عقل الشخص كلا نوعي الخلل الوظيفي هذا . و يتمثّل الخلل الوظيفي الفردي في ما أطلق عليه تول التطلّب wanting
المتمثل في سعي الإنسان المتواصل إلى المزيد و توقه إلى الأفضل و عدم رضائه بما لديه مهما بلغت قيمته
أجريت دراسة للحالة الوجدانية لأثرى مائة رجل في العالم فانتهت إلى أن 46 منهم يعيشون التعاسة
(deepak chopre : محاضرة بعنوان الوصفة الروحيّة للسعادة بتاريخ 28 فيفري 2013 )
إن الذي يقف وراء حالة التطلب هذه و حالة الخوف من الموت و حالة التماهي مع الأشكال الزائلة هي الأنا (EGO)
و هي الكيان الهدّام العاشق للسوداوية الذي يتخذ القتامة و الأفكار اليائسة غذاءا له
و قد عزا ذلك التطلّب إلى دافع بنوي (متجذّر في جل البشر ) الذي يقابل الدافع المفهومي . ممّا قد يبرّر إيجاد الأعذار لكافة الناس الذين يعيشون التطلّب و لكن ذلك ينتفي بعد قراءتهم لكتاب من طينة أرض جديدة
و لم يتوسع تول في عملية وصف حالة الجنون هذه على حدّ تعبيره لينبريَ في بسط الدواء لذلك الكفيل بالقطع مع حالة التماهي مما يؤثّر إيجابا على الوعي الإنساني الذي كان في حالة سبات فتدبّ فيه أولى الإشارات المنبئة باستهلال رحلته
بالنسبة لتول معرفة حالة التماهي هي الخطوة الجوهرية الأهم للانعتاق منها و هذه هي إحدى المحاور الرئيسة التي يرتكز إليها كتاب أرض جديدة بل إحدى النقاط
البارزة لفكر تول الروحاني
المقصود هنا بمعرفة حالة التماهي هو الوعي بالأنا . بكلمات أخرى يضرب إيكهارت تول تمييزا بين أنا الشخص و بين الشخص : فحين يدرك المرء أن السلوك منبعث من أناه لا من شخصه يكون قد خطا خطوة هامة نحو إدراك الحقيقة الكونية و الروحية الواحدة
ليؤسّس بذلك تول للبديل الروحي المتمثّل في عيش حالة من الحضور , و هو هذا الذي عرضناه طيّ تدقيقنا للدواء الي يقترحه لتجاوز حالة التماهي الطبيعية .
فالحضور هو الوعي بالأفعال و الأفكار و الأحوال و المشاعر . فتعاليم تول ترتكز على فكرة رئيسة مفادها الفصل بين الحالة و الفكرة عنها فهو ينادي بالانعتاق من الفكرة إلى جوهر الحالة و معرفة البعد العميق الذي يمكن له أن يعيَ الحالة
لذلك تراه يندد بالعقل غير الملاحظ هذا العقل المتقوقع داخل أفكاره و القابع تحت مضلة شروطها المحدودة داعيا للتحلي بعقل ملاحظ دائم الحضور يفصل بين العالم الحسي الذي يعيشه و بين الوعي الذي بإمكانه معاينة الفكرة و الشعور . عقل ملاحظ باستطاعته التعرّف على كلّ "صوت في الرأس"باعتباره نمطا فكريا مشروطا و بالتّالي إدراك الفرق بين الشخص و بين الصوت الذي يسكن رأسه أو بعبارة أخرى يدرك أنه ليس ذلك الصوت فكرة كان أم شعورا أم حُكما أبديا قاطعا
و لعلّ إحدى الخطى المؤدية لذلك الحضور أن يتخيل المرأ عند كل فعل يأتيه أو فكرة تجول بخاطره أو شعور يختلجه أنه يشاهد نفسه في فيلم على شاشة التلفاز و هو يقوم بذلك الأمر فيكون المشاهِد هو الوعي conscience
المتخلل كل الأشياء
وعي يؤسس لكينونة تسبق كل الأشكال و التماهيات
و لمّا كان تول يعزو هذا الجنون الوظيفي إلى الأنا التي تسكن كل فرد منّا أوجد لنا الوصفة الكفيلة بالقضاء على هذا الكائن الخبيث و إزاحة هذا الغشاء الذي يحيط
بالكينونة الفعلية : كينونة الإنسان و كل الموجودات و واجد الموجودات فهي الهيولى للوجود .
هذه الوصفة أساها الوعي بالأنا فالتعرّف على الأنا يضعفها
و بعد أن بسط تول مصدر هذه الأنا المنغِّصة و سببها و مراميها المدمّرة طفق صلب الأقسام الموالية في وصف
تمظهراتها المتعددة المتمثلة أساسا و بدرجة أولى في التماهي مع الأشكال و اتخاذ الأشكال
forms
.معنى كافيا للذات الإنسانية فتتجلى حياة التيهان و التضليل بل تتجلى مغالطة الحياة
فقد تحدث تول عن غباء ديكارت الذي اختزل الكينونة في الفكر . و لئن كان ذلك بديهيا حين نعرض كتاب في الروحانيات تطرق تول إلى الأهم من ذلك فقد تجاوز ما اكتشفه سارتر ( اكتشف سارتر أن هناك وعيا كامنا يقف . (وراء الكيجوتو الديكارتي ) ( إنّ الوعي الذي يقول إنّني ليس الوعي الذي يفكّر
لكن هذا الأهم هو الآتي . يقول تول
ع"ميق هو المعنى المتضمّن في استبصار سارتر هذا لكن هو نفسه لا يزال على تماه كبير مع التفكير بحيث لم يدرك بالكامل دلالة ما قد اكتشفه : بعد جديد ناشئ من الوع"ي
بهذه العبارات صوّر تول هذا البعد الكلّي و الكامل الذي يسمّيه الحياة و بالتالي الحياة هي هذا البعد و يكمن كنهها في اختباره
لقد نتج عن التماهي الطبيعي هذا سيادة الكآبة و الإحباط و قد غمر الحزن القلوب و غزا التذمر و الامتعاض و عدم الرضا الأحوال . أما على المستوى الجماعي فمتابعة نشرة أخبار الثامنة هذه الليلة كفيلة بتوصيف الحال ...
ّهذا الوضع البائس هو قدر محتوم بلي به النوع الإنساني ذو النزعة الأنوية
ينبغي أن نردّه إلى الأنوات بفعل طبيعة وظائفها لا إلى الذوات من حيث هي كيان و كما شمل الأنا يشمل أبعاد أخرى و كما ظهرت الأنا لم تظهر هذه الأبعاد بعدُ و لكنها ستظهر حينما أدركنا وجودها أي حينما أدركنا أن الأنا ليست إلا مجرّد جزء من أجزاء الذوات توجد في مقدّمة الذات و ورائها الكينونة التي هي نور الوعي الذي فيه تروح و تجيئ الإدراكات و التجارب و المشاعر و الأفكار
إنّ السماء كما وردت في تعاليم العهدين القديم و الجديد و كما تحدث عنها الحكيم الصيني صاحب التاو تي تشينغ و مؤسس الفلسفة الطاوية لاوتسو تحمل أعمق الدلالات فهي أبعد من أن تكون ذلك الفضاء الخارجي الظاهر من على الأرض و غيرها من الكواكب و المجرات و السُّدُم , و إنّما تشير إلى عالم الوعي الدّاخلي الذي لا يمكن له أن ينفصل بأي حال من الأحوال عن العالم الخارجي بكل تمظهراته فضلا عن مصدر الأشياء بعد أن علمنا أن نور الوعي و الحضور يقتضيان إزالة الحاجز بين الذات الإنسانية و الشيئ و مصدرهما . هذا المصدر الذي اختُلف فيه كثيرا فلئن ذهب البعض ( خاصة تعاليم الديانات السماوية ) إلى اعتباره كائنا خارقا متربعا على عرشه يقف وراء جميع الظواهر و الموجودات و التغييرات الطارئة عليها يذهب أصحاب الفلسفة الطاوية في القرن الخامس قبل الميلاد إلى اعتبار المصدر بداخل كل الأشياء
أمّا الأرض فهي التمظهر الخارجي الذي ينبغي أن يتّخذ شكلا ما و لكن المهم هنا هو أن هذا التمظهر يعكس دوما الشكل الداخلي (السماء)
ولمّا كان الواقع (الأرض) على وثيق صلة بحالة الوعي البشري الجماعي ألح تول في المناداة بدحر الأنا المتخلِّلة لأي كائن إنساني و الموهمة بحقيقة الذات من أجل الولوج إلى عالم الكينونة الفعلية المفضية إلى إحساس رائع بغبطة الحياة . حياة اللحظة الرّاهنة
البحث الدائم عن معنى للذات لتلهث وراؤه قبل أن تكتشف بأنه سراب يحسبه الضّمآن ماءا , السعي إلى البروز و الشهرة و جلب الاهتمام , الحاجة إلى الأعداء و الأصدقاء أوضاع كانوا أم أشخاص , الإحساس بالنقصان و الرغبة في الإشباع , العيش في الماضي المأسوي , الإحساس بالتفوق أو الدونية , لعب الأدوار السعيدة و التعيسة , عدم التمييز بين الوضع و الحالة الموسوم بها ( يقول إيكهارت تول لا تقل إني تعيس قل هناك تعاسة بداخلي )
لا تقل إني مدمّر قل فقدت أحد أقاربي )
كلها من تجليات حالة الخلل البنيوي دونت الأنا مسؤولة عنها
وجد تول الوصفات الناجعة لها فاتّسمت الفصول الرابعة و الخامسة بطابع شفائي يمتع فيه القارئ بالرحلة التنموية التي يعيشها . كيف لا و الكاتب يعتبر محاضراته العالمية جلسات للتدواي . تداوي بإزالة الأورام الأنوية السّامّة التي تضمحل فيه المعاني السامية للوجود و الوعي الكامن خلفه و بحقن الذوات المنهكة بحقن الحيوية و اكتشاف مكامن الروعة الوجودية
لقد تحدّث تول في الفصل الخامس عن كتلة الألم بما هي كيان يتكون من العاطفة تغذّيه مآسي العلاقات . و لعل العديد من الأطبّاء النفسانيّين نهلوا من روح هذا الفصل ليطوّروا به معارفهم و لكن بدرجة أكبر ليضمنوا زوال الأمراض النفسية من حرفائهم
لم يتنكر تول الكآبة التي تخيّم على الحالة النفسية للأشخاص لا سيما الإناث منهم ليستجلي تفاسير ذلك صلب الفصل الخامس و يردّ المسألة برمتها إلى كتلة الألم التي توهمك بأنّها أنتَ غير أنها في الحقيقة ليست سوى إحدى وسائل الأنا تقتات من الأفكار السلبيّة لتولّد أفكارا سلبية أخرى. فحين تسيطر على المرأ الأفكار عن الماضي(الذكريات) تتحول إلى عبئ و تصبح جزءا من الإحساس بالذات و بالتالي تصبح الشخصية المشروطة بالماضي السجنَ الخاص للإنسان (الذكريات مغلّفة بإحساس الذات و تصبح القصّة من يتوهم
الإنسان ذاته هذا الأنا الصغير هو وهم يحجب الهوية الحقيقية من حيث هي حضورا أبديّا منعدم الشّكل . لذلك
يجب أن لا نجعل من ردّة الفعل هي الفعل (الحدث) يجب أن نميز بينهما فالتعاسةليست في الحدث في حد ذاته و إنما في الفكرة السلبية حياله
aولعلّ الحضور أو التنبه أو التيقّظ
awaking
هي الوسيلة الوحيدة للقضاء و لو نسبيا على كتلة الألم و من ثمة يكون المدخل المؤدي لنِشدان مكامن السعادة الدائمة
يعني الحضورُ الوعيَ . أي كسر التماهي مع العقل و العاطفة ( و هو الذي اطلق عليه تول اسم اللاوعي ) أي الوعي بمسببّات كتلة الألم و هي في طور النشوء و التعرف عليها ككتلة ألم خارجية لا كحالة ذات محتومة فالحضور هو الذات الشاهدة على الأنا و على كتلة الألم . قبالبقاء حاضرا لفترة يتم القضاء على كتلة الألم
على أنّ صفة السكون تلازم دوما الحضور أينما حلّ فالشرط الجوهري للتخلّص من كتل الألم حسب تول هو عدم مقوامتها و البقاء حاضرا بقوة لأن كتلة الألم لا تمحى بالقوة و إنّما بإلقاء ضوء الوعي عليها
لا تبتهج بل اعرف أنك مبتهج لا تحزن بل اعرف أنك حزين هو ذا ببساطة فحوى الحضور
على ان الحضور أمر عصيّ عن المعالجة العقليّة فهو درجة من الوعي تترفع عن الفكر و ترتفع عنه لتراه رؤية
فوقية و تراه كيف يفسّر الظواهر و كيف يتماهى معها . فالعقل المفكّر لا يستطيع فهم الحضور ففي الحضور تتوحد الرؤية الذاتية و رؤية الآخر و ينشأ الحبّ ..
إن فكرة معرفة الذات الحقيقية بما هي عضو وظيفي غير مستقل مرتبط بنظام كوني على درجة من الدقة ليست بالحديثة فقد آمن بذلك فلاسفة الإغريق قبل أن يحل إيكهارت تول و يعرض معرفة الذات الحقيقة كإحدى أهم البدائل الضامنة لعملية التغيير و تطليق حياة الجمود و الجنون و الارتباط بالأشكال و التماهي معها . فقد فصّل هذه الفكرة في ثنايا الجزء السابع المعنون معرفة ماهيتك الحقيقية . و يحاول تفسير ذلك بقوله
إ"ذا كان النظام الموجود داخل الحديقة ينال إعجاب الفكر فإن النظام الموجود داخل الغابة نظام سامي يتجاوز التصنيفات الذهنية للجيّد و السيئ فيه تناغم خفي إذا نظرت إليه من خلال الفكر تقول إنّه فوضوي و لا يمكن اختبار هذا السمو إلّا من خلال السكون و التنبه و عدم السعي إلى الفه"م .
يقول الكاتب بوجود نظام أعلى أو وعي أعلى لا يمكن رصده فكريا . وعي يتخذ العناصر المكونة للحياة أجزاءا وظيفية له تصل بينها وشائج وظيفية لتحقق الكمال الكوني
إذ يتقاطع فكر تول هنا مع عقيدة الزن اليابانية و فلسفة الحكيم لاو تسو من قبلها في اعتبار أن الكون هو كلُُّ غير منفصل متداخل و متناغم لا شيئ فيه بمعزل عن الآخر فلا ينبغي أن نعتبر التقسيم الداخلي للأدوار استقلالا عضويا لتلك الأجزاء . و هو ما يسمسه لاو تسو التاو
من هنا تجد الكاتب منبهر بالمقولة الرائعة القائلة بأن الثلج يسقط كل رقاقة في مكانها المناسب
لا يمكن للإنسان أن ينفذ إلى الصورة الكونية الموحدة هذه إذا لم يطلّق الماضي بما حواه من أحداث و ما ترسّب لدى الأنا من أفكار هدّامة للبعد الواعي في الإنسان , و إذا لم يكفّ عن الاستشراف المستقبلي و التفكير في الآتي بغرض الإشباع و ذلك مقابل استقبال اللحظة الرّاهنة و الاستسلام للآن بصرف النظر عن الحدث الذي يحتويه . حينها تكون الكينونة بما هي حضور غامر و قوة صامتة تتجاوز النزعة الهووية القائمة على الشكل
form
قد تساعد المثل و المعتقدات الروحية على معرفة النفس , بيد أنها لن تمتلك في حد ذاتها قوة زعزعة المفاهيم الصلبة حول ما تظنه الذات بأنه الماهية فتضْحي بذلك هذه المثل جزءا من مشروطيّة العقل الإنساني لأن الإدراك العميق للنفس لا علاقة له بأي أفكار تطوف في العقل لأنها متجذرة في الكينونة لا ضائعة في العقل .
تعد تجربة اكتشاف الفضاء الداخلي أحدى الطقوس الرئيسة الأولى للبوذية هذا الفضاء الداخلي هو بمثابة المساحة الفاصلة بين عالم الوعي و العالم المادي الآخر فهو يحيط بالأفكار و بالمشاعر
فأن تكتشف الفضاء الداخلي كأن تكون رائد فضاء ينظر إلى الأرض كنقطة متلئلئة فيدرك الحقيقة المتناقضة الأرض غالية و لكنها صغيرة إلى حد التفاهة
لئن كان الوعي بالأشياء هو الوعي بكتل الأفكار المتراصّة المحتشدة اللامتناهية فإن الوعي بالفضاء هو الوعي بالوعي ذاته وعي الشخص بأنه واع
يقول تول كن واعيا بأنك واع قل أو فكّر بإنّني .... ولا تظف إليها شيئا تستشعر السكون الذي يتبعها
إن اللارتباط و اللاحكم و اللامقاومة هي الأسس الثلاث للحرية الحقيقية و هي التي تكسب مدخلا لبعد الفضاء الداخلي
و يفترض اكتشاف هذا الهيولى , الوعيَ و لا شيئ غير الوعي . الوعي بالآن بوصفه الفضاء الداخلي السّرمدي الحيّ الذي تحدث فيه جميع الأشياء و الوعي بالجسد الداخلي و الحياة المتدفقة في الجسم من شأنه توليد الفضاء الداخلي
هأكد تول على جدلية الهدف الخارجي و الهدف الداخلي للحياة فردّ بذلك شبهة من يرمي الأفكار المحاكية لفكر بالإغراق في اللامبالاد و الزهد و إهمال الواقع فالهدف الداخلي المتعلق بالكينونة متناغم مع نظيره الخارجي المتعلّق بالعيش مع تفضيل الهدف الداخلي فهو أساس الهدف الخارجي الذي يمثّل انعكاسا له
هذا الهدف الداخلي هو الوعي المتيقظ و هو السماء الجديدة مرتكَز الأرض الجديدة
****
-
Obada Charif
ما الشيء الأهم من أن تعرف هدف حياتك ؟ لا شيء !
بروعة لم يسبق لي أن رأيت مثلها وباسلوب بسيط جميل يغوص بنا "إيكهارت" في أعماق أنفسنا مستخدما لغة عالمية جامعة للإنسانية حيث أن ليس هدف هذا الكتاب أن يفهمك بعض المعتقدات بأي شكل من الأشكال .. بل إنه يغوص بنا إلى ما هو أعمق من ذلك .. إلى الذات الحقيقية .. وفعلا ستولد أرض جديدة في حال صحوة البشرية التي يرنو إليها الكاتب وكل إنسان في قرارة نفسه !
عظيم !
السابق | 1 | التالي |