علاقة المسلمون بجيرانهم الأوروبيون منذ القرن التاسع و حتى القرن العشرين. ما بين نظرة إلى عدو نحاربه بصدورنا العارية و عقيدتنا الوليدة إلى نظرتنا إليها كحضارة زائلة نحاول وراثتها من خلال ترجمة التراث اليوناني. و حتى نظرة الاحتقار لهم بعد ذلك لعدة قرون رغم الاحتكاك المباشر بهم في الحروب الصليبية إلا أننا لم نكد نعرف عنهم شيئا مذكورا إلا بعد ذلك بعدة قرون أخرى حينما تشكلت أوروبا الحديثة كجبهة واحدة غير متماسكة أمام الدولة العثمانية الغازية في القرن السادس عشر. نظر العثمانيون إلى أوروبا من الداخل لأول مرة و تعاملوا معها بالاحتقار نفسه و لكن فرضت عليهم الظروف معرفة عدوهم معرفة شاملة لكونهم في بعض الأجزاء شعوب واقعة تحت حكمهم و في أجزاء أخرى أعداء متربصون يتحينون الفرصة للانقضاض. و رغم أن دولة الأندلس امتدت من القرن السابع و حتى القرن السادس عشر إلا أن احتكاكهم بأوروبا كان احتكاك السيد بالعبد أو المحارب بالمحارب في كل وقت. لم تتغير تلك النظرة إلا بعد اصطدام المسلمين بأوروبا الحديثة في القرن الثامن عشر سواء في مصر أو تركيا أو تونس و أطراف المغرب العربي ثم أصبحت أوروبا واقعا استعماريا في القرن التاسع عشر مما فرض علينا أن نكون نحن المحتقرين الذين ننظر في أسباب تخلفنا و تفوقهم
❞ ومع ذلك فإن الأفغاني ومعه عبده والجسر وضعوا ما يمكن أن نسمّيه أسس الحوار الأيديولوجي الذي برز معهم في أواخر القرن التاسع عشر. فبينما كان الطهطاوي وعلي مبارك وخير الدين التونسي قد رسموا صورة التقدم والليبرالية الأوروبية كما تراءت لهم دون أن يخوضوا أي نوع من الجدال مع أوروبا، فإن دعاة الإصلاح الديني ما كانوا لينظروا إلى أوروبا إلا من خلال نظرتهم لأنفسهم كمسلمين، ولم ينظروا إلى أنفسهم إلا من خلال وضع النموذج الأوروبي نصب أعينهم، وهذا ما سيطبع النظر الإسلامي إلى أوروبا خلال المئة سنة التالية. ❝
و في الجهة الأخرى من العالم الاسلامي في الهند كان المفكر و الشاعر محمد اقبال يحاول تجسير الهوة بيننا و بينهم
❞ «كل شعب من شعوب الإسلام يجب أن يشغل بنفسه في الوقت الحاضر، وأن يركز اهتمامه مؤقتًا في شؤونه وحده، إلى أن تصبح شعوبه جميعًا قوية، وقادرة على تأليف أسرة حية من جمهوريات قوية… إن الإسلام ليس قومية ولا فتحًا ولا استعمارًا، وإنما هو رابطة أمم تسلم بما بينها من حدود صناعية وتشعر بما بينها من فوارق جنسية قصد بها تسهيل التعارف على كل شعب، لا تقييد الأفق الاجتماعي لأعضاء هذه الرابطة» ❝
كثر اللغط و تنوعت النظرة إلى أوروبا ما بين الاحتقار و الانبهار رغم كل ذلك.
❞ انطوت سيرورة النظر إلى أوروبا على وجهتين: الأولى ترفع أوروبا إلى مصاف ما تبديه من قوة وحرية، والثانية تحط بها إلى درجة الفساد والتفسخ. وقد تصارعت الصورتان بشكل يظهر عمق الأزمة وشدة القلق الذي يعانيه المسلم المعاصر إزاء نهضته الحاضرة. ومسألة النهضة برمتها ليست إلا جانبًا من الصورة التي ظهرت بها أوروبا على المسلمين، والعالم، قبل ثلاثة قرون. وكان يتوجب أن يمضي قرن من الزمن حتى يتأكد للمسلمين في الهند أو تركيا أو أفريقيا، أن ما ارتسم في جانب من الزمن حتى يتأكد للمسلمين في الهند أو تركيا أو أفريقيا، أن ما ارتسم في جانب من الأرض يفرض نفسه فرضًا على الجوانب الأخرى من المعمورة، مما يحتم على شعوب الأمم الأخذ به، وإذا كان الأخذ به مردودًا، فلا بد من تجنبه وتحاشيه بوسائل فعالة. إن رفض أوروبا لم يكن في أي وقت من الأوقات رفضًا تامّا ناجزًا. ❝
و ما بين السلفية و الليبرالية ما زلنا عالقين و ما زلنا نتساءل عن أسباب التخلف و سبل النهضة.
❞ إن السلفي يريد تحرير الفكر باستخدام الإشكالية المعرفية القديمة، فهو لا ينتج العلم بل يتحدث عنه. يريد الإصلاح من خلال العقل الماضي. أما الليبرالي فإنه يريد توريث العرب تاريخًا ليس تاريخهم، وذلك من خلال التقاط مركبات ذهنية ينشرها في الفضاء العربي على شكل متنوعات لا رابطة بينها. وهكذا يلتقي السلفي والليبرالي مرة أخرى، فكلاهما يرى النهضة في القفز على التاريخ، لا في صنعه. الأول يراها في العودة إلى طريق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف - أي قبل ظهور الفصل - والثاني يراها في العودة إلى المبادئ الأوروبية ولنقل قبل ظهور الاستعمار ❝