كتاب "العفن" لمالك بن نبي
يعتبر كتاب العفن لمالك بن نبي جزء أول من مذكرات الرجل (الجزء الثاني سمي بمذكرات شاهد على القرن) فهو يغطي المرحلة الممتدة من 1930 الى 1939 من حياة الرجل.
حيث يروي مالك بن نبي في مذكراته هاته جزءًا من حياته الخاصة ، الدراسية و العملية بعد ذلك ،و يعرض فيها تفاصيل مهمة من حياته و قد اسماها (بالاعترافات) على نحو ما ، يقول انه اختار لها عنوانا(العفن) فهو يلخص بدقة البيئة التي عاش فيها الرجل ،حيث ساد العفن على حد السواء بلد المستعمر و المستعمر ، فكما يقول لقد حاصره العفن في واقعه المرير زمنا طويلا و عايش زمنا عاث فيه المستعمر فسادا في الخلق و الحرث و حول شعب مستعمراته الى (اهالي) حسب مصطلح بن نبي ،و هم مخلوقات باهتة ،فاترة هجينه و حولها الي ادوات في يده ،حتى اصبحوا خونة واضحين و خونة مترفين ،فلم يستثني منهم بن نبي لا دعاة السياسة البوليتيك و لا دعاة الدين كالمشايخ .
فكما قال الدكتور بن عمارة في تصدير هذا الكتاب
"اكتب بدمك و سترى ان الدم عقل " هكذا هي مذكرات بن نبي لقد كتب بدمه قبل قلمه ، كما سماها بنفسه مأساة و ربما ليست مأساته وحده لانه حمل هم بلد بأسره .
يحوي كتاب العفن ، توطئة و مقدمة ثم مرحلتين من مراحل عايشها بن نبي ،مرحلة أولى عنونها بالطالب و مرحلة ثانية أخيرة تحت عنوان المنبوذ.
لقد واجه بن نبي المستعمر الوحش عن قرب فقد كان طالبا في مدرسة الميكانيكا في فرنسا و عاش في الحي اللاتيني الذي يعج بشباب شمال افريقيا جزايرين ،توانسة و مغاربة بل حتى سوريين و مصريين ،و لم يسلم من قبضة العنكبوت ماسينيون الذي احكم قبضته عليه طالبا و بطالا بل لم يترك هذا الاخير و لو فرصة واحدة لكسب أجر يومه ، حتى ان بن نبي أقر انه حاول الانتحار او جالت فكرة الانتحار بباله جراء سموم هذا العنكبوت رغم ان جناحيه لم تكفا عن التحليق في سماء الوعي و جاهدة في توعية محيطه بهذا الوعي ، لكن و أمام تخاذل المعارف و حتى الأهل من جهة أخرى لما رجع الي بلده الجزائر.
يؤرخ بن نبي في هذا الكتاب على غرار مذكرات شخصية للرجل ،الي مرحلة ما عاشتها الجزائر ، فقد نجح الاستعمار في خلق و عجن طبقة من شعب اسماها بن نبي الأهالي او indigenises ، طبقة اتسمت بالخيانة الفكرية و الجبن و الابطاح تحت أرجل فرنسا ، و لم يستثني بن نبي رجال الدين من هذه الصفة الشنعاء عن جهل او عن نية حيث خدموا مصالح الاستعمار.
شعرت بالمرارة و لازلت اثار الاشمئزاز و الخيبة تلازمني على الأهالي اللاهثين نحو كرسي منصب في دولة استعمار اكل الاخضر و اليابس في بلاهم ، بالمقابل شعور الشفقة مع اجلال لشخص بن نبي المكافح الظارب بجناحيه خيوط العنكبوت الصغير (ماسنيون) و العنكبوت الاكبر (الاستعمار).
اقتباسات :
"لماذا ولدت في الجزائر حتى أكون أحد ارهاصات النظام الجديد ،و أصبح إنسانا يواجه وحوش القابلية للاستعمار و الاستعمار؟ لا ادري و انا مسلم مؤمن بالقدر و متقبل للمصير الذي منحني إياه الله خالقي الذي اعبده و أذكره"
"الا تعتقدون أن تدهور العالم الإسلامي مرده ،فضلا عن أسباب أخرى ،الى أن التفسير القرآني محشو بالخرافات الاغريقية وبالاسرائيليات ؟"
"ان ما اثار انتباهي في أوروبا هو روح العلم l'esprit de la science أكثر من العلم نفسه ، ....ثم ادركت ان هذه الروح تمر دون ان ينتبه إليها احد من غالبية الطلبة المسلمين الذين يسعون عند قدومهم أوروبا الظفر بشهادة جامعية فقط "
"...ادركت للتو ان السياسة التي لا تبدأ بتكوين الإنسان ،و تنشط ذكائه و وعيه ليست الا "نطحة" ضد شيء خفي"
"...هذه العناصر تترتب في ذهني و كأنها أجزاء من عقيدة ترى في اليهودي المحرك الخفي للحروب الصليبية و الاستعمار مرورا بمحاكم التفتيش "
"يجب أن يواجه المرء الوحش عن قرب وجها لوجه و أن يحس بقبضته الخانقة ،يجب ان يفتن في مصيره و في عمقه ليدرك ما معنى الاستعمار '"
"يا ارضا عقوقا !تخصين الرجل و تهنينينه ، يا أرضا قاسية! تقتلين أبناءك و تتركيهم للجوع و تطعمين الأجنبي! أتمنى ان لا اراك و لن أعود إليك أبدا حتى تصبحين حرة!
امنحه خمس نجوم للرجل الذي سبق زمانه