العقل الفقهي
تأليف
عباس يزداني
(تأليف)
«العقل الفقهي» هو نمط من الرؤية الذهنية إلى العالم والإنسان تختلف عن رؤية الناس بعامة. في هذه الرؤية أو القراءة الخاصة يترك العقل الفطري والطبيعي مكانه لقراءة ساذجة وسطحية للروايات والنصوص الدينية بحيث تخلق في الإنسان سلوكاً ومنهجاً ليس له أي مبرر في عرف عقلاء العالم.
ومرادنا من «العقل الفقهي» هو النظام الخاص من المعلومات والقيم التي تنطلق من معتقدات أسطورية بالنسبة إلى مكانة النبي أو الإمام، في هذه العقيدة يفقد العقل الفطري والقرآن الكريم فاعليته في حركة الإنسان والمجتمع وتحتل الروايات المنسوبة إلى الأئمة المعصومين محورية التفكير الديني والفقهي.
وتعتبر العلاقة بين «الدين» و«العقل» من أقدم الإشكاليات الفكرية التي استوطنت الذهن البشري ومن أهم مسائل علم الكلام المعاصر أيضاً، فهناك نظرية قوية في علم اللاهوت الجديد تقرر بأن الدين مسألة وراء العقل، وبشكل عام الإيمان فوق العقل، والقصص والأساطير المذكورة في المتون الدينية القديمة تقوي هذه النظرية، وحتى في النصوص الواردة في أكمل الكتب السماوية وآخرها، أي القرآن الكريم، نرى من القصص التاريخية ما يقوي هذا الزعم.
مثلاً قصة ذبح إبراهيم لابنه، وسلوكيات الخضر التي أثارت اعتراض موسى، كلها توحي بهذه الحقيقة، وهي أن الله تعالى له الحق تــــماماً في إصدار بعض الأوامر المتعارضة مع العقل تماماً، وما على الإنسان إلا أن يرضخ ويذعن إلى الأحكام الشرعية الإلهية على حساب حكم العقل.
هذا الكتاب يبحث موضوع النسبة بين الدين والعقلانية، وخاصة في مقولة العقلانية الواردة في الفقه الشيعي، وينطلق كذلك في نقد بعض المباني والأصول السائدة في الأوساط العلمية لدى الفقهاء حيث نعتقد بأن نقد هذه المباني الفقهية والكلامية في الفكر الشيعي يعتبر أكبر خدمة للتشيع حيث ينطلق هذا النقد من داخل الحوزات العلمية .
قبل كل شيء لابد من التساؤل عن هذه الحقيقة، أليس الدين يعتبر مولداً للسكينة والاطمئنان والأمل والبهجة الروحية في واقع الإنسان ؟ ألم يصرح القرآن الكريم بأن المسلمين يجب أن يعيشوا كمال العزة والقدرة في المجتمعات البشرية؟ إذن لماذا يعيش عامة المتدينين الهم والقلق والاضطراب واليأس والحزن والفقر والجهل ؟
لماذا تعيش الدول الإسلامية بصورة عامة إلى جانب دول العالم الثالث وتواجه الذلة والتخلف والفقر والتبعية إلى الغرب؟
هل أن الجواب عن هذه الأسئلة هو أن نقول إن الإسلام يخلو من كل عيب ونقص وأن العيب يكمن فينا نحن المسلمين؟
هـل مــن الصـحيح الاقتــصار على الاثنينيـة فـي العامل: الإسـلام أو المسلمين؟ وعليه فلو قلنا ببراءة الإسلام من النقص والعيب فلابد من اختيار الشق الآخر، وهو اتهام المسلمين بالقصور والتقصير في العمل بالدين … أو يقال بوجود شق ثالث، وهو أن الإسلام دين كامل بذاته، وأن المسلمين غير مقصرين في العمل بالدين, ولكن علماء الإسلام وفقهاء الدين أساوؤا فهم الدين وأقاموا العلوم الدينية على أسس خاطئة ودعائم مهزوزة؟
وهذا الكتاب يهدف إلى إثبات أن الإسلام منزه من العيب والنقص في ذاته، وأن العيب يكمن في سوء فهم العلماء والفقهاء لمفاهيم الدين حيث تحركوا في فهمهم للدين بعيداً عن العقلانية، وبدلاً من أن تدور استنباطاتهم حول محورية العقل والوحي، فإن الذهنية الفقهية تحركت مع الأسف حول محور الاجماعات ونظر المشهور وأخبار الآحاد وسيرة المتشرعة وأمثال ذلك.
وتنقسم أبحاث هذا الكتاب إلى خمسة أقسام وخاتمة:
«القسم الأول» يبحث في دور العقل وسيرة العقلاء والاجتهاد المبني على العقل. «القسم الثاني» يبحث في مكانة القرآن والسنة في الفقه. «القسم الثالث» يبحث في اشكالية خبر الواحد وحجية الظن. «القسم الرابع» يبحث في بعض التعاليم الدينية والتطبيقات العملية في الفقه التقليدي. «القسم الخامس» يبحث في بعض موارد الانحراف في الفكر الديني.