أسير خلف ركاب القوم ذا عرج ... مؤملا كشف ما لاقيت من عوج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ... فكم لرب الورى فى ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعا ... فما على عرج فى ذاك من حرج
لطالما كنت أجد في آيات القرآن الكريم الحجة الدامغة والمعين الذي لا ينضب في أي حديث أو جدل أخوضه مع الآخرين ولطالما تمنيت أن يساعدني الله على حفظ كتابه الكريم وأن يكون حجة لي لا حجة علي في فهم معانيه وتدبر آياته والعمل بما أنزل فيه.
عبدالله دراز ماذا عساني أقول بعد ما قرأت الكثير عن كتابه "دستور الأخلاق في القرآن" وهنا في النبأ العظيم حيث يقودك خطوة وخطوة سابراً اللغة العربية بألفاظها ومعانيها ومصطلحاتها مستبيناً بالحجة والبرهان الدلالات والحجج على نسبة هذا الكتاب الى خالق الخلق الله سبحانه وتعالى.
أذكر عندما قرأت كتاب "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" لأبو حامد الغزالي باللغتين العربية والانجليزية دهشت لمدى ايجاز الكتاب بالعربية لأن وجيز الكلام ذو دلالات عظيمة قادرة على ايصال المعنى الشافي بكلمات قليلة مقارنة بحجم الكتاب بالانجليزية الذي تجاوز 3 أضعاف الكتاب!! فما جاء في هذا الكتاب كعادة قراءتي بالكتب التي تتحدث عن عظمة واعجاز اللغة العربية بمثابة الصفعة على الوجه أن افهموا واستوعبوا هذه اللغة التي حوت أعظم كلام لله سبحانه وتعالى ومعجزة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وسعت كتاب الله لفظا وغايـــة ... وما ضقت عن آي به وعظات
تراوحت محتويات الكتاب بين شرح معاني القرآن الكريم والتفريق بينه وبين الأحاديث النبوية والقدسية. بيان مصدر القرآن الكريم واثبات أنه من عند الله تهالى بلفظه ومعناه. قال تعالى:
"وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) سورة يونس" "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) سورة فصلت".
وفيها تناول بالتفصيل اثبات أن القرآن من عند الله وليس كما تقول المتقولون أنه من عند محمد فتارة يرمونه بأنه شاعر ومرة ساحر ومجنون ومرة أنه تلقاه على أيدي رهبان النصارى واليهود. يمكن الرجوع الى كتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي والتي تناول فيها الوحي والقرآن بأسلوب مفصل من ناحية نفسية تستحق القراءة.
ثم استفاض بالحديث عن القرآن كمعجزة لغوية وسبب نزولها باللغة العربية ومن ناحية البناء والتراكيب والمعاني والمجاز ودلالات الألفاظ وهو من أجمل فصول الكتاب ولتناوله آيات وسور من القرآن الكريم بالتحليل والاقناع.
1- سورة البقرة:"وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23)".
2- سورة يونس: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين (38)".
3- سورة هود: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْمِ
4- سورة الإسراء: "قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظهيرا (88)".
5- سورة الطور: "أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ(33-34)".
وختمها بتحليل سورة البقرة دليلاً على المنهج الذي اتبعه في بيان اعجاز بناء آيات وسور القرآن الكريم التي نزلت منجمة بفترات وصلت الى 9 سنوات ومع ذلك كل آية تجدها في مكانها الصحيح التحمت بما قبلها وما يليها بدون تكلف أو تأويل.
"لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات، وفي أسليب تربيته معجزات، وفي نبوءاته الصادقة معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات ومعجزات، لعمري إنه في ترتيب آية على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات"
جزى الله الدكتور محمد عبدالله دراز خير الجزاء ونفعنا الله بعلمه ورحمه برحمته.