تروي هذه الرواية أحداث تاريخ غُيّب عن أذهاننا، لبلد إسلامي لا نعلم عنه شيئاً أو نكاد، ألا وهو القرم.
تطرح القصة أنموذجاً لمجتمع القرم في قصة شاب قرميّ يروي في مذكراته معاناة أمة بأكملها، جاعت وشُرّدت وقتّلت ونفيت إلى أقاصي الأرض دون أن يسمع بمآسيها أحد.
كانت القصة تتمحور حول الشاب صادق، وفي سياقها تُروى شذرات من تاريخ القرم السابق والمعاصر للحرب العالمية الثانية. فتمنيت لو كان التركيز على تاريخها أكبر منه على تفاصيل قصة صادق.
يُهجّر الفتى ويُجنّد ويحارِب، ثم يُؤسر ويعذب ويعاني فيُحرر، وبعدها يعيش حياته أسيراً لذاكرة لا ترحمه من عذاباتها التي لا تهدأ في صحو ولا في منام.
فيدوّن ذكرياته، عساه يخفف من ألم سياطها بالكتابة.. ولكن هيهات.
قسمت الرواية إلى فصلين، رأيت أفضلهما هو فصل "الأسير".
كان مفجعاً ومؤلماً بقدر ما كان صادماً. يجعلك تشعر كم أن الإنسانية والضمير هشّين، ضعيفين ويمكن فقدانهما عند أي ضغط وأدنى ظرف. وكيف أن فاقدهما يمكن أن يتحول إلى وحش مسعور لا يأبه إلا إلى مصالحه ومنفعته على حساب كل أحد وكل شيء.
الرواية كانت جيدة الحبكة والأسلوب، مع بعض نقاط ضعف لا يمكن إهمالها.
والترجمة كانت ممتازة ولكن لا تخلو من بعض إشارات الاستفهام، كأن ترد جمل كاملة باللغة الروسية أو الألمانية في الحوارات دون ترجمة، بل معادة كتابتها باللغة العربية!!. وكأن كل قارئ يعرف الروسية، وكلهم سيفهم ما يقال.
صحيح أن هذه الجمل وردت بضع مرات وحسب على طول الكتاب، ولكنها كانت كفيلة بتخريب متعة القراءة في كل مواضع ورودها.
وجدت في النهاية شيئاً غريباً غير مفهوم. فقد كانت نهاية مفتوحة جداً، لدرجة أنني أكملت قلب الصفحات بعدها لأفاجئ بصفحات بيضاء، دون أن أعلم أنها قد انتهت.
وكان الصادم أكثر في هذه النهاية أن قصة صادق كانت هي قصة المؤلف جنكيز ضاغجي الحقيقية.
يقرأها جنكيز في سياق أحداث الرواية، فتروى قصته على لسان صادق. لسان شخصية تبحث عنه لتسلمه قياد ذكرياتها، وتجده في النهاية.. في كناية عن إيجاد نفسه، وتخلصه من عذاباته.
القصة كانت رائعة لو تمت إضافة مقاطع هامّة، مثل استفاضة في شرح تاريخ القرم مثلاً، أو الحديث عن مصير عائلة صادق التي بقيت مجهولة طول الرواية.
وحذف مقاطع أخرى هامشية، لا تؤثر في الأحداث ولا تهم القارئ، والأمثلة عنها كثيرة.
على العموم أعجبتني الرواية بقدر ما آلمتني، وزادت حماستي للقراءات التاريخية الروائية، حتى رجعت في التاريخ أكثر، لأبدأ الآن بالقراءة عن حروب المغول أيام المماليك.