الخوض في سيرة “تشارلز بوكوفوسكي” يؤسس للأثر العميق الذي تتركه كتاباته في نفس القارئ، تشبه شخصية بوكوفوسكي الى حد كبير الشخصيات الهوليودية التي نشاهدها في الكثير من الأفلام “الرجل السكير غير المبالي بما حوله، المتنقل من امرأة الى أخرى، الفقير غير المكترث” هكذا ترسم صورته في ذهنك، وهكذا كان..
"أنام على بطني وأغفو،
مديراً مؤخرتي الى السقف
على سبيل التغيير."
تبدو بداية الرجل واضحة جليّة، ففي رسالة بعث بها “بوكوفوسكي” الى صديقه مارل فيسنر (1969)، يقول فيها:
“لدي أحد الخيارين، إما أن أبقى في مكتب البريد وأصاب بالجنون، وإما أن أستمر في الكتابة وأموت جوعاً، وقد قررت الموت جوعاً”
وقد بدأ بوكوفوسكي بالكتابة فعلاً بعد أن عمل في الكثير من الوظائف المختلفة التي كان منها عاملاً في مكتب بريد.. ليبدأ مشوار مؤلفاته التي تعدّ السبعين مؤلفاً..أشهرها : مكتب البريد!!
في هذه المجموعة الشعرية التي جمعها المترجم سامر أبو هواش تحت عنوان من إحدى مجموعاته، واقتصّ نصوصاً من فترات متباعدة، ترى شخصية بوكوفوسكي واضحة، الخمر والنساء واللامبالاة، التصويرات الأدبية البسيطة، رائحة الفقراء في الشوارع، والبيض المقلي صباح كل صباح في مطبخه !!
أن يموت المرء على أرضية المطبخ عند السابعة صباحاً
بينما الآخرون يقلون البيض
ليس بالأمر شديد القسوة
الا إذا حدث لك.
الكتاب خفيف وجميل للغاية، هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها لبوكوفوسكي وبالطبع لن تكون الأخيرة، أعجبتني لغته وتصويراته، على صفحات الديوان كتبت الكثير من الملاحظات، الا أن أكثر جملة كررتها في الكثير من الصفحات كانت : مجنون!
"أقف أمام المرآة
في بزة أبي الميت
منتظراً
أن أموت أيضاً."
يتخلص بوكوفوسكي من الكثير من “الشر” الذي يرمز اليه في الكثير من السطور، مثل الناس والهاتف، فهو يحب أن يكون وحيداً ولا يحب أن يفرض عليه شيئاً أو تلقى عليه مسؤولية، لا يحب البشر ولا يحب الإختلاط أو الحديث معهم:
" لا شيء يمكن أن أقوله
إلا ويعني شيئاً آخر
لذا قررت الصمت
حين رحلتِ
أخذت معك تقريباً
كل شيئ."
" وزهرة
تشق الجيوش
وكصبيّ صغير
يتباهى،
تشهرُ
لونها."