اقتباس
بشرة سوداء ، أقنعة بيضاء
نبذة عن الكتاب
ببعد زوال الاستعمار، يحتفظ هذا البحث في فهم علاقة الاسود والأبيض بكل قيمته الاستشراقية: ذلك أن العنصرية على الرغم من الفظاعات التي ملأت بها العالم، تبقى مسألة مطروحة في المستقبل أيضاً. تمت معالجتها هنا وجرى التعدي لها مواجهة بكل زخر علوم الانسان وبحماس الرجل الذي سيكون رائد فكر بالنسبة إلى كثيرين من مثقفين العالم الثالث. ولد فرانز فانون عام 1925 في فورد فرانس، طرد من الجزائر حين كان رئيس مستشفى الامراض العقلية في البليدة (الجزائر) واستقر في تونس حيث استمر في علاقته بزعماء الحكومة الجزائرية المؤقتة. توفي في نيويورك عام 1961 بعد أن نشر كتابين آخرين مخصصين للثورة الجزائرية وإزالة الاستعمار. ولد فرانز فانون عام 1925 في فورد فرانس، طرد من الجزائر حين كان رئيس مستشفى الامراض العقلية في البليدة (الجزائر) واستقر في تونس حيث استمر في علاقته بزعماء الحكومة الجزائرية المؤقتة. توفي في نيويورك عام 1961 بعد أن نشر كتابين آخرين مخصصين للثورة الجزائرية وإزالة الاستعمار.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2005
- 248 صفحة
- [ردمك 13] 978-9953-71-020-4
- دار الفارابي
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
عبد مجاهد الفتاح
كلما تحدثنا عن العنصرية التي يعاني منها ذوي البشرة السوداء ولﻹزدراء والدونية التي يتعرضون لها من قبل اﻷشخاص ذوي البشرة البيضاء إﻻ واستحضرنا ذاك المناضل الفذ من جنوب إفريقيا "نيلسون مانديﻻ" ... كتب فرانتز فانون في كتابه "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" يقول : "أنا أنتمي إلى عَصْرِي انتماءً غير قابل للاختزال". وذلك العصر كان، بالطبع، عصر النضالات المعادية للاستعمار الكولونيالي.
هذا الكاتب فرانز فانون Frantz Fanon، الفريد من نوعه الذي عان من عنصرية أوروبا خاصة ببلد اسمه فرنسا، وهذا الكتاب الذي استفزني عنوانه اللافت الذي عنونه "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" نُشر عام 1952 وأحدث صدىً واسعاً وتأثيراً ملحوظاً في الدوائر الفكرية والثقافية السائدة في فرنسا تلك الأيام. كان الكتاب صرخة من القلب مفعمة بشحنة عاطفية قوية ــ كانت تلك "التجربة التي عاشها زنجيّ قُذف به إلى عالم أبيض"(ص: 3).
فانون المفكر الذي خلخل أفكار الغرب عن النظرية الزنجية ما بعد الاستعمار، نظريات أعادت النظر في الفكر الغربي العقلاني الذي انطلق من قولة الكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود" التي اعتبرت الآخر غير الأوروبي هامشيا ودونيا بل أكثر من ذلك اعتبرته دون الإنسان أي بمثابة قرد، وهنا تظهر النظرية الزنجية التي جاءت لتحرير الإنسان الأسود. أقتبس قوله: أنا، الإنسان الأسود، لا أريد إلا ما يلي:
أن تكفّ الأداة، مرّة وإلى الأبد، عن امتلاك الإنسان. أن يتوقّف استعباد الإنسان للإنسان أبدياً. أن أغدو قادراً على اكتشاف الإنسان واحتضانه بمحبّة حيثما كان.
ليس الزنجي متفوقاً في أي شيء على الإنسان الأبيض( ص: 164 – 165. ).
إن فرانز فانون Frantz Fanon باعتباره دارسا لعلم النفس استطاع بذكاء خارق أن يكتشف ضعف المستعمر الأوروبي وخاصة في مسألة العنصرية التي قال عنها مانوني بأنها "تمارس من طرف طبقات البيض الكادحة الذين يضعون الزنوج أقل منهم، وبأن نخبة المثقفين لا يستعملون العنصرية ضدّ السود".
فانون، من شأنه أن يصنّف في خانة جامعة بين توجهين اثنين الفرويدية الماركسية والماركسية الفرويدية كما في خانة الالتزام الكلّي والمطلق بحركات التحرّر الثورية. غير أنّ انتماءه إلى عصر لا يحول دون تمكينه من إغناء عصرنا بأشياء كثيرة. فالجملة الختامية الأخيرة لكتاب بشرة سوداء، أقنعة بيضاء قوله : "دعائي الأخير: أناشدك يا جسدي أن تجعلني على الدوام إنساناً يطرح الأسئلة!" هذه هي الروح الاستفهامية المتسائلة التي تحيل الى جدوى فكر فانون بالنسبة إلى القرن الحادي والعشرين.
في هذا الكتاب ينطلق فانون من أرضية فكرية وهي الماركسية والوجودية وعلم النفس الفرويدي، وسيقوم بتدمير الثنائيات على سبيل المثال: خير-شر، أبيض-أسود، فوقية-دونية. ولتفكيك هذه الشفرات انطلق من كتابه "بشرة سوداء وأقنعة بيضاء" بدأ بقناع اللغة الذي تريد به فرنسا السيطرة على الآخرين، وهنا تكمن علائق القوة إضافة إلى قناع آخر وهو قناع الزواج الذي يحاول تبييض العِرق وهذا يتمظهر داخل كتاب "أنا مارتنيكي" للكاتبة مايوت كابيسيا، إضافة إلى التبعية من خلال هيمنة المستعمر على كل شيء.
هذا الكتاب عبارة عن دراسة عيادية، سريرية، هدفها مساعدة الأسود أو الأبيض، على تمزيق تلك العباءة البالية التي نسجتها عصور عدم الفهم والتفاهم. الفصول الثلاثة الأولى تنكب على الزنجي الحديث، فهي تتناول ذاك الأسود الراهن، وتحاول تعيين مواقفه في العالم الأبيض، الفصلان الأخيرين هي محاولة تقديم تفسير من خلال علم النفس المرضي والفلسفة لفعل الوجود لدى الزنجي.
وكما قيل صراحة في مقدّمة الكتاب، فإنّ الكاتب كان يعتقد بأنّ التغلّب على اغتراب الإنسان الأسود يتطلّب أكثر ممّا يستطيع التحليل النفسي الفرويدي أن يقدّمه. ففرويد قد جادل مؤيّداً فكرة الحاجة إلى تجاوز التفسير الفيلووراثي إلى نظيره الأونتووراثي؛ أمّا فانون فكان يرى أنّ المطلوب إن هو إلا تفسير سوسيووراثي.
ويمتاز التحليل بأنه استرجاعي بنحو خاص، فالفصلان الرابع والخامس يقعان على مستوى مختلف جوهرياً، في الفصل الرابع انتقاد لعمل خطير، فالكاتب يعي من جانبه غموض موقفه والالتباس فيه. وربما كان في ذلك مزية من مزيات شهادته فقد حاول الإحاطة بوضع ما. أما الفصل الخامس المعنون "تجربة الأسود المعيوشة" فهو هام على غير صعيد، فهو يبين الزنجي في مواجهة عرقه. وسوف نرى أنه لا يوجد شيء مشترك بين زنجي هذا الفصل وذلك الذي يسعى إلى مضاجعة البيضاء. قد نجد لدى هذا الأخير رغبة في أن يكون أبيض. في كل حال، تعطشاً للانتقام. بالعكس نحن أمام مشهد الجهود اليائسة لزنجي ينكب بحماسة على اكتشاف معنى الهوية السوداء.
فالحضارة البيضاء والثقافة الأوروبية فرضتا على الهوية السوداء. فالحضارة البيضاء والثقافة الأوروبية فرضتا على الأسود انحرافاً وجودياً. " كارثة الإنسان الأسود تكمن في واقع أنه تعرّض للاستعباد. كارثة الإنسان الأبيض ولا إنسانيته تكمنان في واقع أنّه أقدم في مكان ما على قتل الإنسان. إلى يومنا هذا يظلان مكتفيين بتنظيم عملية إلغاء إنسانية الإنسان هذه عقلانياً. غير أنني، بوصفي زنجياً، لست متمتعاً، بمقدار ما تتاح لي فرصة الوجود المطلق، بحقّ الانغلاق وصولاً إلى سجن نفسي في عالم قائم على التعويضات الارتجاعية". ( ص: 164 ).
كان فانون شديد الحماسة والتفاؤل إزاء الموجة الكوكبية الكاسحة لحركات التحرّر الوطنية ــ القومية، ومنزعجاً، في الوقت نفسه، من الدلائل التي كان يراها منذ ذلك الحين مشيرة إلى عيوب قيادات عدد كبير من هذه الحركات ــ فرانز فانون يطرح في نهاية كتابه "بشرة سوداء وأقنعة بيضاء" سؤالا لأن الأمة التي لا تسأل تموت والسؤال هو الذي يعطيك معرفة أكثر وفكرا أعمق.