"الزمن هو الصورة الحركية للأبدية الثابتة" _أفلاطون
"إلى أين يسير الحاضر حين يصير ماضياً، وأين هو الماضي؟" _لودفينغ فدغنشتاين
الكلمات التي سوف ننبس بها تعرف عنا ما نجهله عنها. والمستقبل لا وجود له إلا في الذهن لا في ذاته. وهو لا يوجد إلا في الوعي لا في العالم، إنه ليس سوى "المقابل المتخيل لوعي في حالة انتظار".
خلال قرون وقرون، ظل شكل الدائرة هو المسيطر بشكل مطلق على الزمن؛ ﻷن الدائرة كانت تعتبر صورة الكمال؛ ﻷنه ليس لها بداية ولا نهاية، والصورة التي اكتمل انتظامها إلى حدّ لا يُعرف معه كيف يزيد في كمالها، وهكذا فإن فكرة زمن يقوم بدوائر إلى ما لا نهاية "العَوْد الأبدي" كانت فكرة مهيمنة على الأساطير الكبرى للإنسانية، وفي بعض الديانات وبعض الفلسفات، كفلسفة الرّواقيين والفيثاغوريين، وفيما بعد في فلسفة نيتشه.
حيث يعتبر الرواقيون أن العالم إذا تعرض للفناء فذلك لكي يولد من جديد بالشكل الذي كان عليه، بحيث ما نسميه "مستقبلاً" ليس سوى ماضٍ سيعود. لا شيء يُضاف أبداً إلى ما هو موجود بفعل الزمن، وكل جديد مستحيل. وبما أن كل شيء معطى في البدء سلفاً، فلا وجود للقدر وإنما ما يوجد فقط هو الضرورة، أما الفيثاغوريون، فقد جعلوا فكرتهم عن العود الأبدي ترتكز على معطى الثورات السماوية وتوالي الفصول. وأما براهين نيتشه، فكان لها مدى أوسع ﻷن الفيلسوف الحماسي كان يستخلص منها حكمة تقول: إذا كانت الصيرورة تعود فعلاً على ذاتها كي تشكل حولاً كبيراً يظهر فيه كل شيء من جديد بشكل أبدي، سواء أكان شيئاً مستحسناً أم مستهجناً، فعلينا إذن أن نعيش بشكل نرغب فيه بأن نعيش مرة أخرة ما عشناه قبلاً، وأن نرغب في المستقبل عوض أن نكون ضحاياه.
وبعمل بول ديراك نجد أن الفيزياء لن تتركنا وحدنا ضد المجهول، فإن حقيقة وجود المادة المضادة هي البرهان المادي (أو بالأصح "اللامادي") على أن الزمن موجود وأنه ذو وجهة وحيدة.
هذا الدليل الفيزيائي يأتي ليؤكد إحساسنا جميعاً بأن ثمة "شيئاً" في العالم يجعل الزمن يمرُّ بشكل لا رجعة فيه.