اريد توفير الكتاب
سلطان الظلام
نبذة عن الكتاب
على أهمية هذا الكتاب، لم يحظ بشهرة كبيرة مثل باقي كتب توفيق الحكيم، ربما لأنه صدر في حمى اشتعال الحرب العالمية الثانية، وما كانت تحمله من نذر دمار على البشرية كلها. الكتاب بما تضمنه من مقالاتٍ ثلاث أشبه بالصرخة الصادقة في وجه الطغيان والاستبداد والعنف البشري المجنون، أراد بها الحكيم أن يحذر وأن يطرح التساؤل الذي ما زال صالحا للطرح حتى الآن: هل في الإمكان حقا أن يمحق الإنسانية ظلامٌ بعد هذا الشوط الذي قطعته في سبيل النور؟ أما المسرحيات الثلاث القصيرة فيدعو الحكيم من خلالها إلى ضرورة احترام القانون والحرية والديمقراطية في مواجهة القوة والسيف والبطش. نعم. إنها الدعوة التي ستعلن بوضوح وصراحة أن "السيف يفرضك على الجميع ولكنه يعرضك للخطر، أما القانون فإنه يتحداك لكنه وحده يحميك". يطلق الحكيم هذه الصيحات ويهدي هذه الصفحات إلى كل من يحمل قلبًا نابضًا بالأمل في سمو البشرية، فياضًا بالحب للإنسان والإنسانية.عن الطبعة
- نشر سنة 2019
- 93 صفحة
- [ردمك 13] 9789770935903
- دار الشروق
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتابمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Youssef Al-Brawy
إن كان هدف توفيق الحكيم من تمهيد هذا الكتاب هو إحداث ضجة صاخبة وفوضة عارمة في عقول القرّاء فقد تحقق، أو على الأقل بالنسبة لي، فبينما كنت أظن أنني على وشك قراءة عمل مسرحي لـ توفيق الحكيم، إلا أن قراءتي تحولت إلى شيء آخر غير معروف بالنسبة لي... هل هذا هو التحليق في سماء القراءة كما قيل؟ ... لا أعلم والذي نفسي بيده، ولكن ما أنا متأكد منه هو أنني لم أقرأ عملًا بمثل هذه الروعة -الخاصة بالحكيم-من قبل، لقد تمكنت خلايا الشك من الانتشار بين ثنايا عقلي فعلًا.
إن العقل البشري بلغ في عهد الإغريق اكتمال تألقه لأنه تفتح لهواء "الشك"، لأن الشك هو هواء العقل الذي يتنفس به؛ فلأول مرة استطاع الإنسان حقًا أن يدع هذا الهواء يعبث قليلًا برفات تقاليده المقدسة، ولأول مرة استطاع الإنسان حقًا أن يخرج بتفكيره قليلًا عن نطاق جاذبية الماضي ليتأمل ويخلق بعيدًا عن سيطرة الإيمان بالماضي. أعتقد أن الحكيم كان يريد هذا الشك وهذا هو الخط الأول لسير الكتاب، أما الثاني فهو على ما أعتقد تقرير شراذم طفيفة ونحيلة من التساؤلات التي تنمو في عقل القارئ أثناء القراءة وهذا الخط الثاني لسير الكتاب يبدأ من قول الحكيم: «إني لا أستطيع أن أدافع قط عما أعتقد أنه الباطل، ولا أستطيع أن أخدم شيئًا قط غير ما أعتقد أنه الحق، وهو لن يكون إلا في المبادئ العليا الخالدة البعيدة عن الأشخاص الزائلين»، ومن هنا وهناك ينطلق الحكيم بالقارئ في رحلة تحليق تبدأ فعليًا من عدة تساؤلات تدفع هذا الشك إلى العقل بل وتعضده وتغذيه على الفتك به.
لقد ارتدت البشرية بغتة إلى الوراء، وإذا من كنا نحسبه إنسانًا متحضرًا آخذًا بأسباب السمو قد عاد يصيح صيحات الغابة، مُعلنًا العودة إلى غرائز الدم والجنس... فهل من الإمكان أن يمحق الإنسانية ظلام بعد هذا الشوط الذي قطعته في سبيل النور؟! وهل من الممكن أننا من البداية إلى النهاية لسا إلا في حلقة مفرغة؛ ما إن نظن أننا قاربنا على النهاية إلا وندرك أننا بدأنا مرة أخرى... ومن نفس النقطة!! فتكون حركتنا في الحقيقة لا تتقدم ولا تتأخر إلا كحركة الكواكب في مجموعاتها الشمسية؟!، يا تُرى حياة الإنسانية كحياة الإنسان؟ هل هي مثله تخرج من النهار إلى الليل ثم تعود إلى النهار من جديد ثم تدخل في الليل مرة أخرى وهكذا إلى نهاية الدهور؟ هل إذا سألنا الطبيعة عن سرها ستجيبنا باللف والدوران؟! ... فماذا بعد حضارة اليوم الحديثة؟ وما مصير هذا النهار؟ أمصيره مصير كل نهار؟ هل نستطيع أن نتبين في الأفق جحافل الظلام المغيرة على هذا النهار؟
هل نصدق قول "كيسرلنج" أن الخط البارز والمظهر الغالب للعصر الحاضر هو "الاقتصاد" أي الغذاء أي "مطالب الأرض والدم والجنس والبيئة" أي أن كل شيء اليوم خاضع للشطر "غير الروحي" للكائن البشري... وأن هذه الحضارة ما كانت تستطيع أن تنتهي إلا إلى هذه النهاية "غير الإنسانية" ما دامت تؤدي على هذه الصورة المخيفة إلى سيادة الآلة على الحياة، وإلى طغيان الحساب والأرقام، وإلى تقويض كل سلطان إلا سيطام الكمّ والعدد... إن روح هذا العصر "الصناعي الاقتصادي" هي روح كتل من الدهماء والسواد، وعصر السواج والدهماء هو في الحقيقة عصر الزعماء؛ فالكتل لا تعمل أبدًا بذاتها، إذ كلما كَثُرَ العدد احتاج الأمر إلى تنظيم ومنظمين، وأصبح المنظم أو الزعيم هو القابض على زمام القطيع وهكذا تمنح السلطات شبه المطلقة لمن ينظم الملايين، هؤلاء الزعماء المنظمون هم دائمًا من طراز "المروِّضين" لا من طراز "القادة الروحيين"، والمروِّض هو من يؤثر في تابعه عن طريق "الإيحاء" مُجبِرًا إياه على طاعته دون أن يشعره أنه قد سلب إرادته.
وهل نصدق قول الباحث الفرنسي "جان روستان": «إذا قُدر لهذه الحضارة أن تتحطم غدًا عن آخرها لكان على الإنسان أن يعيد بناء كل شيء من جديد مبتدئًا بما بدأ به منذ نيف ومائة أو مائتين ألف من الأعوام؛ فكل ما قام به على مر الدهور من أعمال وما عاناه من جهوده وما قاساه من آلام لا نفع فيه ولا غنى. وهنا الفرق الهائل بين حضارة الإنسان وحضارة الحيوان؛ إن شرذمة من النمل المنعزل عن العشيرة في إمكانها أن تنشئ عشيرة أخرى تامة التكوين، لكن شرذمة من الآدميين انعزلوا عن البشرية لا يستطيعون أن ينشئوا مجتمعًا بشريًا إلا في صورته البربرية الأولى، إن حضارة النمل منطبعة في صميم خواص الحشرة أما حضارة الإنسان فهي ليست مستقرة في صميم طبيعة الإنسان، بل هي مستقرة في خزائن المكتبات العامة وقاعات المتاحف ونصوص الشرائع...»
الحقيقة أن العقل يشك ولكن القلب يؤمن؛ فقوة العقل هي الشك أما قوة القلب فهي اليقين. إن روح المأساة هي الصراع، ولقد أدرك شعراء المآسي الإغريقية أن أروع صراع هو ذلك الصراع القائم دائمًا بين الإنسان وتلك القوى العليا الخارجية التي يسمونها "القدر" و"الآلهة"، أما توفيق الحكيم فقد قال إن الصراع الدائم والمأساة المستمرة بين الإنسان والإنسانية هي بين تلك القوى الداخلية: العقل والقلب، فلذلك كان هذا الكتاب صيحة في وجه البشرية، ونقطة تحول بارزة لخلايا الشك في عقول قرّاء هذا الكتاب، فما من إنسان أحب الإنسانية استطاع لحظة أن يشك في إمكان تقدمها وسموها كما يقول الحكيم، ولكنه يعتقد أنها تتقدم مثل تقدم المجموعة الشمسية في الفضاء؛ كل كوكب فيها يدور حول نفسه وحول الشمس، ولكن المجموعة كلها تسير مع ذلك في فضاء اللانهاية.
إن سلطان الظلام يهددنا من آن لآن ولكن القيم التي كسبناها قد كسبناها، إن الحرية والجمال الروحي والفكر الطليق وحقوق الإنسان، كل أولئك أشياء لا يمكن للإنسانية أن تنزل عنها أو تنساها؛ قد تعصف بها حينًا بعد حين عواصف القوى الأرضية ولكنها لن تستأصل جذورها التي تنمو وتمتد في أعماق النفس البشرية، إذًا فعلى جنود الطاقة الروحية والفكرية أن ينشروا الصفحات ويطلقوا الصيحات كلما انطلقت جيوش القوى الأرضية والحيوانية كما فعل الحكيم في هذا الكتاب تمامًا، ولطالما أثار الحكيم إعجابي بأسلوبه وفلسفته وقيمه وأهدافه، ولكن هذا الكتاب كان عملًا من نوع آخر... عملًا لا يمكن وصفه ووصف روعته، وأثق أن كلمات الحكيم في هذا الكتاب ستظل راسخة في عقلي رسوخًا ذا وقت طويل إن لم يكن رسوخًا أبديًا، والتقييم للكتاب: 10 من10.