علامات الرواية الجيدة، أولها أنها تأخذك إلى عالمها، فلا تريد منه فكاكًا، وثانيها أنك لا تريد أن تنتهي منها أبدًا ، والثالثة والرابعة أنك تريد أن تستعيدها مرة أخرى وبسرعة، .....
أخييييرًا خرجت لنـا عزة رشـــاد بروايتها الثانية، بعد أن فتنَّا بـ ذاكرة التيه، تلك الرواية الفارقة ،
...
هذه المرة عالم مختلف، وشخصيات أكثر اختلافًا وتعقيدًا، بل وزمنًا غير الزمان، ولكنها استطاعت ببراعة أن تتمثَّل كل شخصياتها، وتعبِّر عنهم، حتى نعيش بين رضوان البلبيسي في جنته وجحيمه، مع زوجاته وابنائه، ذلك العالم الفريد، المليء بالتفاصيل المشحون بالعواطف والأحاسيس بل وبالدسائس والمكائد، والقتل ..
...
من خلال تصوير الشخصيات وتقسيم الرواية إلى فقرات يحكي الرواي في كل جزءٍ طرفًا من الحكاية، حتى نلم بخطوط الحكاية كلها، ونقف مراقبين لذلك العالم الذي يتشكل شيئًا فشيئًا والذي بدا أن عقده انفرط وأسرار قد اتضحت بمجرد موت/ مقتل رضوان، ودفنه تحت شجرة اللبخ، بل وتحول قبره، وهوا صاحب النزوات والصولات والجولات إلى ضريح وتحوله بمفارقة شديدة الدلالة إلى ولي!!
..
أكثر ما أعجبني في الرواية القدرة البالغة على التعبير عن شخصياتها، لدرجة أنك تتعاطف مع كل واحدٍ فيهم جانيًا كان أو مجنيًا عليه، فتدور بين سعاد، وترى أحلامها البسيطة وآمالها وهي تذوي حتى تتزوج كـ زوجة ثانية من رضوان، وترى ـ بعينها ـ زوجته الأولى صافيناز، وهي تكيد لها، وتحقد على ابنها فارس، ولكن ما إن ترى صافيناز الحكاية، حتى تتعاطف مع حكايتها، وتلتمش لكل ما فعلته الأعذار، كذلك الحال مع قصة الحب الجميلة التي تنشأ مع ابن البيه، ابن الحسب والنسب فارس، والبنت الفقيرة "بنت العجانة" جميلة، التي تبدأ بسيطة، وتتعقد برفض أبويه لزواجهما، ثم تنتهي برفضها هي، خوفًا منه أن يكون متسلطًا متجبرًا كأبيه، وحكايات أخرى على الأطراف، تتوزَّع بالتساوي، للحد الذي تنسى فيه أيهم "البطل" الحقيقي للحكاية، فتخرج جنازة الرجل الذي عاش طوال حياته مشردًا والذي حاول الجميع قتله، ليموت في النهاية برصاصة طائشة!
....
مع كل ما احتوته الرواية من آلام وصراعات ومكائد ، إلا أن عزة رشاد بدا أنها تحأول أن تضع للرواية نهايتان أحدهما ينتصر فيها الحب
....
شكرًا عزة رشاد .. دومًا
.