من الجميل الاستماع لهذا الصوت الانجليزي الودود و الذي عرفناه عن طريق روائعه الروائية 1984 و مزرعة الحيوان ، اقول أنه لمن الجميل ان يخاطبنا هذه المرة بواسطة المقالات .
كون المقالة كما يصنفها كاتب المقدمة تنتمي الى جنس كتابي غريب ،يمكنها ان تكون متعددة الغايات، لكن لا يجب أن تكون على شكل موعظة كما ان لديها سمة غير رسمية ومرونة أكبر .
فالمقالة هي صوت تفكير مؤلفها بصوت عالي ، يمكنها ان تشير لحقائق وأدلة ولكن بايجاز فهي ليست دفاع قانوني او محاججة ،ولا يجب ان تكون شديدة التخطيط ، بل مجموعة من الارتباطات الحرة .
ودود هو صوت جورج اورويل عبر مقالاته ، رغم كونه صوت لرجل ابيض كان فردا في الشرطة البريطانية الكولونولية في آسيا ابان الاستعمار و شارك في تنفيذ حكم اعدام ( واقعة شنق ) و اصطياد فيلة ووصف هذه الأحداث في اول مقالتين في الكتاب وكان صوته عند وصفها ويال العجب ودودا للغاية ! .
الروح الساخرة في كتابات جورج اورويل مميزة ، و قراءة " لماذا أكتب " اكدت لي انطباعي عن رواية "1984" والديستوبيا التي خلقها هناك حيث لا يجب اغفال الجانب الساخر لدى الكاتب -السخرية المتشحة بالسواد طبعا - .
في كل مرة أقرأ لأورويل اشعر بظلال سوداء حول الكلمات وكأنه يكتب من داخل زنزانة ما ، حتى عندما يحاول الخروج في بعض المقالات عن مواضيع السياسة و النقد الأدبي الى مواضيع أخرى كالطبيعة يبقى هذا الشعور ملازما لي .
قدم جورج اورويل خلال هذه المقالات مدرسة في النقد الأدبي و مراجعة الكتب ،ومقالته " داخل الحوت " الخاصة بهنري ميللر وروايته مدار السرطان تشكل مرجعا متفوقا في هذا المجال .
وعلى صعيد آخر اظن أن جورج اورويل نجح في الاقتراب كثيرا من هدفه المعلن و الذي بتمثل ب" جعل الكتابة السياسية فنا " .